إصابة واحدة فقط بفيروس كورونا المُستجد سجّلها مُستشفى رفيق الحريري الحكومي، أمس، من بين أكثر من 190 فحصاً أُجري داخل مختبراته. وعليه، أُقفل عدّاد كورونا ليلاً على 121 إصابة، قبل الإعلان عن تسجيل رابع حالة وفاة منذ دخول كورونا إلى لبنان. وبمعزل من إمكانية التعويل على هذه المعطيات والتمهيد لخطاب تفاؤلي، فإنّ المؤكد أنها لا تدعو إلّا إلى مزيد من الالتزام والتقيّد بالتدابير الوقائية المتمثلة بشكل رئيسي في الحجر المنزلي. وفيما يُطلب من اللبنانيين المزيد من الصمود، تُطرح تساؤلات بشأن آلية الصمود التي ستتّبعها الأُسر الأكثر فقراً في لبنان. فهذه العاجزة عن تأمين سلّة غذائية لأبنائها، كيف ستؤمن «سلّتها» الصحية؟ وهل ستلحظ خطط الطوارئ المقبلة للحكومة هذه الفئات؟قبل أشهر قليلة، كان البنك الدوليّ في لبنان «مشغولاً» بتأمين تمويل إضافي لبرنامج «استهداف الأُسر الأكثر فقراً». آنذاك، كانت الاقتراحات تقضي برفع عدد المُستفيدين من البطاقة الغذائية إلى 15 ألف أسرة.
وبمعزل عن «طبيعة» البرنامج ومعايير البنك الدولي، فإنّ نقاشاً أساسياً يرتبط بقدرة هذه الأسر العاجزة عن تأمين سلة غذائية على توفير «سلّة صحية» تشمل أدوات التعقيم ومختلف المُستلزمات الوقائية المطلوبة في الظرف الصحي الراهن، والتي لا تقلّ كلفتها عن 300 ألف ليرة لأسرة من أربعة أفراد، وفق تقديرات مصادر معنية بالملف الصحي. هذا إذا تمّ التسليم بقدرة أرباب هذه الأسر على الالتزام بالحجر المنزلي وعدم الخروج بحثاً عن قوتهم اليومي. وكيف يُمكن أن تُطبّق «المسافات الآمنة» في الأسر التي تعيش في غرفة واحدة؟ وإذا كانت التدابير الوقائية البديهية تبدأ بغسل اليدين بالماء الساخن والصابون، فمن أين يأتي هؤلاء بالكهرباء والماء؟ فهل ستلحظ خطط الطوارئ دعم هذه الفئات؟
الحكومة ناشدت منذ أيام الجميع الالتزام الصارم بالتدابير، وطلبت من الأُسر «الصمود»، لكنها لم تقل لها كيف تصمد، في وقت تبحث فيه بلدان كثيرة في سبل منح العائلات دعماً مالياً يُمكّنها من البقاء في المنازل. والمُفارقة أن «سجلّ» السلطة في لبنان لا يبشّر بخير. ففي أيام «الرخاء»، لم تُنفق الحكومة على الفقراء أكثر من 0.048% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2018، فيما أنفقت أكثر من 47% من إيراداتها على فوائد الدين العام (https://al-akhbar.com/In_numbers/279903)، علماً بأنّ الأرقام تُشير إلى وجود 150 ألف أُسرة تحت خط الفقر الأدنى، و250 ألفاً مُصنّفة تحت خط الفقر بشكل عام.
بالطبع، يبدو الحديث عن تأمين «سلة صحية» للفقراء سوريالياً في بلدٍ يعاني حالياً من نقص فادح في التجهيزات والمستلزمات الاستشفائية والصحية. وما «استجداء» الحكومة في مقرراتها المتخذة لمواجهة فيروس كورونا للتواصل مع السفارات والجهات المانحة لتأمين الدعم المالي والعيني للمُستشفيات إلا ترجمة لهذا الواقع الهشّ.
انطلاقاً من هذا الواقع، ومع تزايد الضغط على مُستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي الذي يحضن نحو نصف الحالات في لبنان ويقوم بنحو 70% من الفحوصات المخبرية الخاصة بتشخيص فيروس «كورونا»، وفي ظلّ تباطؤ تجهيز بقية المُستشفيات لمؤازرته، برز «تدبير» الهبات والدعم للمُستشفى كخيار شبه وحيد حالياً.
300 ألف ليرة كلفة «السلّة الصحيّة» التي تشمل أدوات التعقيم لأسرة من أربعة أفراد


وكانت إدارة المُستشفى أعلنت مساء أمس تسجيل إصابة واحدة جديدة فقط (من أصل أكثر من 190 فحصاً)، ليُصبح عدد المُصابين في الحجر الصحي في المُستشفى 56 حالة. وبذلك ترتفع الحصيلة إلى 121 إصابة في كل المستشفيات، بعدما كانت وزارة الصحة قد أعلنت ظهراً أن مجموع الحالات وصل الى 120. وليلاً، أعلِن عن تسجيل رابع حالة وفاة في لبنان منذ وصول «كورونا». وهذه الحالة متصلة، بحسب ما نُشر أمس، بشخص أتى من إيطاليا.
ونظراً إلى حاجة مُستشفى الحريري المُلحّة إلى التزوّد بالتجهيزات والمُستلزمات اللازمة، اتخذ وزير الصحة حمد حسن قراراً يسمح لإدارة المُستشفى بـ«إتمام عمليات إنفاق المُساهمة المُخصّصة للمشتريات الضرورية لمواجهة كورونا بناءً على استقصاء أسعار بما يتناسب مع حالة الطوارئ»، كما يسمح لإدارة المُستشفى باستخدام ممرضات للعناية بالمرضى المُصابين بفيروس «كورونا» تحديداً، على أن تعرض إفرادياً على الموافقة المُسبقة لوزير الصحة، فيما أعلن المُستشفى، أمس، استقبال التبرعات النقدية عبر حسابين مصرفيين في المصرف المركزي لمواجهة الأزمة، «بعدما لمست إدارة مُستشفى رفيق الحريري الجامعي رغبة عدد من المواطنين في تقديم الدعم لجهود التصدّي لفيروس كورونا».