في الأيام العادية، الذي يزور مركز الضمان الاجتماعي في بئر حسن، معتاد على وجود مئات المواطنين يتنقلون بين طبقات المبنى. يسعى هؤلاء إلى إنجاز معاملات معظمها يحتاج إلى ساعات من الانتظار. يكون هؤلاء، في الأغلب، متلاصقين لشدة الزحام. في الأيام الأخيرة قبل الإغلاق، تجمّع أكثر من مئة شخص في غرفة واحدة في الطبقة الثالثة بانتظار قبض الشيكات المستحقة لهم. ذلك مشهد معتاد في أكثر من قسم. لكن هذه المرة كان الجميع يرتدي الكمّامة. لكن أي كمّامات يمكن أن تقي من العدوى في ظل الاكتظاظ الشديد؟ لذلك، رأت إدارة الضمان أن إغلاق مراكزه واحد من الأولويات المطلوبة للوقاية من كورونا. الإغلاق ازداد إلحاحاً عندما تبين أن الإجراءات التي اعتمدتها المؤسسة لم تأت أكلها. ففرض ارتداء الكمّامات، على سبيل المثال، كانت نتيجته، في بعض الأحيان، تبادل الكمّامات المستعملة بين الخارجين والداخلين.في القرار الذي أعلنه رئيس مجلس إدارة الصندوق بالإنابة غازي يحيى، يوم الاربعاء الماضي، يقفل الصندوق أبوابه حتى ٣١ آذار ضمناً. يحيى أوضح أن القرار جاء لحماية المضمونين والمراجعين والموظفين من خطر تفشي كورونا.
في تلك الناحية، القرار ربما يكون صائباً، علماً بأنه يطرح سؤالاً عن الأسباب التي حالت دون تحويل الضمان، المؤسسة الثرية جداً، إلى مؤسسة قادرة على العمل عبر شبكة الانترنت. مشكلة أخرى بدأت تطل برأسها في الصندوق؛ فمقابل حماية أناس ثمة آخرون يتأذون. ثمة خدمات أخرى قد لا تقل أهمية، ومنها الحصول على الموافقة المسبقة لإجراء الأعمال الطبية المختلفة، وبعضها قد يشكل خطراً على حياة المرضى، أو دفع فواتير المضمونين المصابين بأمراض مستعصية، والذين يلجأون إلى الضمان شهرياً لتحصيل فواتير الأدوية الباهظة الثمن، بما يسمح لهم بالاستمرار في شرائها من الصيدليات.
حُلت مسألة الاستشفاء والأعمال الطبية التي تحتاج إلى موافقة مسبقة، بعد أن عمد الضمان، من خلال تعميم أصدره المدير العام محمد كركي، إلى الطلب من «جميع المؤسسات المتعاقدة مع الضمان استقبال المرضى والمستفيدين وإجراء الأعمال الطبية اللازمة لهم، على أن يقوم أصحاب العلاقة بإجراء المعاملات اللازمة والموافقة اللاحقة على سبيل التسوية فور انتظام العمل في مكاتب الصندوق».
تلك مسألة، إذا لم تعرقلها المستشفيات، فستعفي المضمونين المضطرين إلى إجراء أعمال طبية مختلفة من موجب الموافقة المسبقة. ذلك يحل جزءاً من المشكلة، لا كلها. الخدمات الأخرى تبقى معطلة حتى إشعار آخر. أبرزها تحصيل فواتير الأدوية الخاصة بالأمراض المستعصية، ولا سيما السرطانية منها. التأخر في الحصول على ثمن أي دواء، يعني تعريض المريض لخطر الموت. بحسب المعلومات، فإن إدارة الضمان بدأت تبحث في آليات لمعالجة المشكلات التي يمكن أن تنشأ من جراء الإغلاق، والتي تطال آلاف المضمونين. في مسألة أدوية الأمراض المستعصية، تتركز النقاشات حالياً على:
أن يصار إلى تكرار تجربة الاستشفاء، أي أن يصار إلى التنسيق مع الصيدليات لتسليم الدواء للمرضى على أن تتم تسوية الأوضاع لاحقاً.
من الأفكار أيضاً تفعيل CALL Centre يتعامل مع الحالات الطارئة، ويعطي الموافقات المطلوبة ليحصل المرضى على الدواء.
طلب الضمان من المستشفيات استقبال المضمونين من دون موافقات مسبقة


الاحتمال الأخير هو إعادة فتح عدد من المراكز، بشروط صحية صارمة، يتم خلالها تأمين المصالح الطارئة للمضمونين، التي تشمل خدمات محدودة، ولا تؤدي إلى ازدحام هذه المراكز أو الاحتكاك بين الناس.
إذا كان الخيار الأخير هو الأكثر خطورة على صحة العاملين والمراجعين، فمشكلة الخيارات السابقة أنها تخالف نظام الصندوق، خاصة في ظل غياب المكننة، والاعتماد على المعاملات الورقية. لكن، حتى هذه النقطة يرجّح أن يتم تخطّيها بالاعتماد على «نظرية الظروف الاستثنائية».
المشكلة في توقف الضمان عن العمل أنه يعني عملياً استقالة مؤسسة تعنى بصحة الناس من دورها. ولذلك، ثمة من يدعو إلى محافظتها على العمل بالحد الأدنى ومن خلال المداورة بين الموظفين. يدور نقاش في الضمان بشأن الخدمات الأخرى التي يمكن إعادة تفعيلها. فبالرغم من أن تأمين الأدوية للأمراض المستعصية يفترض أن يعطى الأولوية، إلا أن ثمة خدمات أخرى، كدفع المستحقات وتسليم الأدوية، يحتاج إلى حل، خاصة أن بعض المعاملات محكوم بمهل زمنية محددة. فعلى سبيل المثال، لا يتسلم الضمان الوصفات الطبية التي يزيد عمرها على خمسة أشهر، وبالتالي فإن الإقفال يمكن أن يحرم المضمون حقه في استرداد 85 في المئة من ثمن الأدوية.
بالرغم من كل سلبياتها، إلا أنه يفترض بالأزمة الحالية أن تسهم في تسريع عملية التطوير في الضمان، إذ لم يعد ممكناً الاستمرار من دون مكننة العمل، بما ينهي معاناة المضمونين في إنجاز معاملاتهم قبل كورونا وبعده.