تزداد حدّة الحصار السياسي والاقتصادي على الدولة اللبنانيّة التي وجدت نفسها، بعد الانهيار النقدي، في قبضة الإدارة الأميركية. هو الوقت المناسب أميركياً للضغط على حزب الله وتطمين إسرائيل. لذا، يتوقف الدعم الغربي اليوم على مقدار تقيّد الحكومة اللبنانية بشروط الولايات المتحدة الأميركية. على هذا الأساس أيضاً، تتأنّى الدول الأوروبيّة، وعلى رأسها فرنسا، في الإعلان عن أيّ دعم واضح للبنان. وزير المال الفرنسي برونو لومير قدّم موقفين متناقضين ما بين رحلته من الرياض الى أبو ظبي قبل أيام، بشكل بات من الصعب التحديد معه إن كانت باريس ستقدم دعماً للحكومة أو لا، وخصوصاً أن لومير تجاهل ذكر «سيدر» بشكل كامل.مصادر دبلوماسية أوروبية أكدت لـ«الأخبار» أن «الكلام الفرنسي حُرِّف لبنانيّاً كما لو أن فرنسا ستقدّم دعماً مالياً مطلقاً للبنان على عجل». غير أن «الموقف الفرنسي جاء في سياق المحاولة الفرنسية للتمايز عن الموقف الأميركي فقط، لناحية الفصل بين مساعدة لبنان في تجاوز أزمته المالية والاقتصادية وبين الحرب التي تريد الولايات المتحدة شنّها على إيران وحزب الله من هذا الباب». إذ يعلم الفرنسيون جيداً أن مستقبل الدولة اللبنانية خارج الاهتمام الأميركي وكل التدخلات التي تقوم بها الإدارة لا تعنى بإنقاذ اللبنانيين من الانهيار الحتمي، بل على العكس، تبتزّ واشنطن اللبنانيّين بلقمة عيشهم خدمةً لمشروعها الرئيسي وهو القضاء على حزب الله. وذلك في القاموس الفرنسي، يعني مشاكل إضافية لفرنسا كما لغيرها من الدول الأوروبية. وأكدت المصادر أنه في ظل الستاتيكو القائم، لن تجرؤ أي دولة أوروبية على تقديم دعم مالي للبنان من دون ضوء أخضر أميركي، وهذا غير متاح حتى الساعة، والخطة الغربية «تقضي بانتزاع العديد من الخطوات السياسية والاقتصادية من الحكومة والسلطة السياسية قبل تقديم أي دعم». فالمساعدة الفرنسية مرتبطة حتى إشعار آخر بالإصلاحات المطلوبة من الحكومة، ومنها ما هو قاسٍ جدّاً، إنما لا يملك لبنان خياراً إزاء عدم تنفيذها: «الدول الأوروبية والداعمة لن تدفع مالاً في لبنان بعد الآن بناءً على قواعد الماضي، بل وفق قواعد جديدة».

دياب يريد بعاصيري!
مشروع الإدارة الأميركية لتجويع اللبنانيين وتطويق حزب الله يستتبع بتدخل وقح في تعيينات النواب الأربعة لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وعلى رأسهم النائب الثاني السابق محمد بعاصيري. فبعاصيري أحد أبرز المروّجين للسياسة الأميركية والمحرّضين على وضع المزيد من اللبنانيين على لوائح العقوبات. لذلك تضغط واشنطن لإعادته الى منصبه، فيما يبدو أن رئيس الحكومة حسان دياب سيرضخ لهذه الضغوط ولا سيما أن التقسيم الطائفي لنواب الحاكم يدخل بعاصيري ضمن حصة دياب.
يبدو أن دياب سيرضخ للضغوط الأميركيّة بشأن إعادة تعيين بعاصيري


وعلى قاعدة الستّة والستّة المكرر، أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري تمسكه بالنائب الأول السابق للحاكم، رائد شرف الدين، بالاتفاق مع حزب الله، إذا ما أعيد تعيين بعاصيري. على المقلب الدرزي، يدور الخلاف نفسه ما بين النائب السابق وليد جنبلاط والنائب طلال أرسلان لاختيار النائب الثالث للحاكم (جرت العادة أن يكون درزياً). التركيبة الحكومية الحالية تعطي أفضلية التسمية لأرسلان، إلا أن الحزب الاشتراكي لن يتفرّج على هذا الامتياز يُسحب من يديه ويتوقع المعنيون أن يؤجج خلافاً سياسياً. أما النائب الرابع الذي جرت العادة أن يكون أرمنياً، فلا يزال محط أخذ ورد بين رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وحزب الطاشناق. اقتراح باسيل لاسم أرمني كاثوليكي أثار حفيظة الطاشناق الذي يريد أرمنياً أرثوذكسياً، فضلاً عن أن النائب الرابع للحاكم (المنتهية ولايته كما باقي زملائه نواب الحاكم) ما هو إلا صهر النائب هاغوب بقرادونيان ويرجّح تمسكه به هو الآخر.

انتقادات صندوق النقد
في غضون ذلك، ينتظر اللبنانيون إعلان الحكومة قرارها في شأن استحقاق دفع سندات اليوروبوند ويفترض أن يأتي سلبياً. المرحلة الأدقّ هي تلك التي ستلي هذا الإعلان، ويتوجّب خلالها على الدولة مفاوضة الدائنين لإعادة هيكلة الديون. بعثة صندوق النقد الدولي التي زارت لبنان خرجت «مستاءة ومذهولة» في آن من طريقة تعاطي القوى اللبنانية المختلفة مع الأزمة الحالية. واستغرب أعضاء الوفد «عدم وجود خريطة طريق لدى المسؤولين في ما خصّ الكهرباء والقطاع العام والليرة»، فضلاً عن «خوف الحكومة الجديدة من اتخاذ الإجراءات المطلوبة وردّة فعل الشارع». وأكدت مصادر مطّلعة أن «صندوق النقد لن يقدّم رؤيته إلا في حال إرسال الحكومة خطة محددة، وإذا ما كانت هذه الخطة ترقى الى المستوى المطلوب. والصندوق ليس مستعداً لتقديم أي فكرة إلا بطلب رسمي من الحكومة اللبنانية مرفقاً ببرنامج مشروط بعدد من الإجراءات القاسية جداً» (الخصخصة، زيادة الضرائب، خفض حجم القطاع العام، تحرير سعر صرف الليرة...). وفي حال التزام لبنان ببرنامج مع صندوق النقد، فلن يحصل على قروض قيمتها أكثر من ثلاثة مليارات دولار، وفق المصادر، وهو مبلغ غير كاف لحلّ الأزمة. بعض أعضاء الوفد وجّهوا انتقادات أيضاً للحكومة السابقة: «كان يجِب على الدولة اللبنانية أن تبدأ بمفاوضة الدائنين منذ العام الماضي للبدء بجدولة الدين، وقد ارتكبت خطأً فادحاً حين سدّدت سندات اليوروبوند السابقة مع علمها بأن احتياطها من العملة الأجنبية ليس كافياً، وأن هذا المسار كان لا بد من أن يصل بالبلد الى حافّة الإفلاس».