شهدت الحكومة، أول من أمس، أول احتكاك بين القوى المشاركة فيها. ملف الشركات الاستشارية في المجالين المالي والقانوني الخاصة بملف الديون، فتح الباب أمام سوء تواصل أو سوء فهم أو ما هو أكثر بين فريقَي رئيسَي الجمهورية والحكومة من جهة، وبين ثنائي حزب الله وحركة أمل وحليفهما تيار المردة من جهة ثانية. ربما كانت جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، الكاشف الأول عن طبيعة الخلافات في المقاربات ذات البعد السياسي وحتى التقني بين الأطراف المشاركة في الحكومة، برغم أن مصدراً بارزاً في مجلس الوزراء دعا الى عدم المبالغة وإلى حصر الإشكالية في «توتر قابل للاحتواء، لكنه قابل للتطور أكثر».بحسب مصدر وزاري، فإن المفاوضات التي قامت حول اختيار المستشارين الماليين والقانونيين للحكومة في مواجهة سندات اليوروبوندز المستحقة، انطلقت من اعتبارات عدة؛ أبرزها، اختيار الشركات ذات الخبرة والقدرة على مواجهة الدائنين. وقد ظهرت حماسة هذا الفريق أو ذاك لهذه الشركة أو تلك. وكان الاستحقاق الأول يتعلق بالشركة التي يمثلها وزير العمل السابق كميل أبو سليمان. برز توجّه واضح لدى غالبية أعضاء الحكومة بإبعادها عن المناقصة «خشية حصول تضارب مصالح نتيجة كونها ستقوم بتمثيل الحكومة، بينما هي في الأصل تمثّل حاملي السندات». ورغم أن أبو سليمان حاول شرح الموقف وتأكيد عدم وجود تضارب للمصالح، إلا أن الموقف الأبرز كان لوزيرة العدل التي قالت إنه لا يمكن الموافقة، فقرر أبو سليمان الانسحاب. انتقل النقاش بعدها الى كلفة الشركات التي رست عليها المناقصة، وتم التفاوض معها وخفضت كلفتها بمقدار النصف تقريباً، لكن ما برز فجأة هو أن غالبية مالكي هذه الشركات هم من اليهود في الولايات المتحدة، ولديهم تمثيلهم التجاري في دولة الاحتلال، وربما يكون بينهم من يحمل الجنسية الإسرائيلية أيضاً. وهو ما دفع بفريقَي الرئيسين عون ودياب الى التريث وطلب التشاور مع الرئيس نبيه بري وحزب الله.
وحسب المصدر، فإن وزيرة الدفاع زينة عكر، يرافقها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، زارت الرئيس نبيه بري الذي منح الضوء الأخضر بعد استفسارات أظهرت أن غالبية العاملين في هذا الحقل لديهم تمثيلهم في إسرائيل. ثم جرى التواصل مع قيادة حزب الله للغرض نفسه. وقال المصدر إنه لم يحصل تلقّي عون ودياب أي ملاحظة سلبية من جانب الثنائي الشيعي، لينفجر الأمر في جلسة الحكومة عندما أعلن الوزراء الشيعة الأربعة اعتراضهم على الشركات، نظراً إلى علاقات تربطها بإسرائيل. ثم انضم إليهم وزيرا المردة في الموقف الممتنع أو المتحفظ، علماً بأن فريقاً وزارياً عاملاً مع رئيس الحكومة اعترض على تحفّظ زملائهم، من زاوية أن الموقف يبدو كاتهام لبقية وزراء الحكومة بالموافقة على أمر تشتمّ منه رائحة تطبيع مع العدو. وهو ما جعل وزير الخارجية ناصيف حتي يقول إن الشركتين اللتين اتفق على اختيارهما غير مدرجتين على لائحة المقاطعة في لبنان، كما أضاف وزير الداخلية محمد فهمي إن البحث الأمني حولهما لا يظهر خطورة أمنية، بينما قال وزراء آخرون إن هناك في لبنان من عمل مع إحدى هاتين الشركتين قبل مدة غير بعيدة. وقال آخرون إن لبنان مليء بالشركات التي تملك مصالح في إسرائيل لا مجرد تمثيل، لينتهي الأمر بالتصويت.
على إثر الجلسة، حصلت مداولات جانبية بين عدد من الوزراء حول ما حصل. وتبين أن خمسة وزراء على الأقل اعترضوا على ما اعتبروه «تراجعاً من جانب وزير المال غازي وزني الذي كان خلف ترشيح إحدى الشركتين». ونقل عن وزني قوله لأحد الوزراء: «أنا التزمت موقف فريقي السياسي، لكنني غير مقتنع به». وقال المصدر الوزاري إن لقاءات ثنائية وثلاثية عقدت في وقت لاحق لأجل تسوية الأمر، مع تبلغ فريق الثنائي الشيعي احتجاجاً من قبل وزراء قالوا إنهم «يرفضون الطعن بوطنيّتهم»، الأمر الذي نفاه وزراء الفريق المعترض، حاصرين اعتراضهم بالخشية من تسلّل العدو الى الملفات اللبنانية.
واشنطن تتدخّل لإعادة تعيين بعاصيري نائباً لحاكم مصرف لبنان


لكن يبدو أن الأمر لن يقف عند هذه التجربة، لأن التحديات المقبلة أمام الحكومة في ملف التعيينات، وخصوصاً المالية منها، ستثير خلافات أوسع، مع الموقف الواضح للتيار الوطني الحر وبدعم من آخرين، بضرورة إدخال تغييرات على هيكلية مصرف لبنان والمؤسسات التابعة له بما يحدّ من استفراد الحاكم رياض سلامة بالقرارات، مع الإشارة الى أنه يتوجّب على الحكومة تعيين أربعة نواب للحاكم وكذلك أعضاء لجنة الرقابة على المصارف وهيئة الأسواق المالية، إضافة الى مفوض الحكومة لدى مصرف لبنان. ويتضح من مداولات أساسية أن هناك اتجاهاً الى تغييرات جذرية قد تطيح غالبية من شغل هذه المناصب إن لم يكن جميعهم.
من داخل الحكم، هناك سعي واضح من جانب الرئيس بري والتيار الوطني الحر لاختيار مرشحين، بينما يسعى حاكم مصرف لبنان الى ترشيح غالبية تعمل وفق رؤيته وتقبل بطريقة إدارته للعمل. فيما تسعى قوى أخرى من خارج الحكومة، أبرزها الرئيس السابق سعد الحريري الى منع أركان الحكم الحالي من اختيار المرشحين السنّة خلافاً لإرادته، بينما يسجّل هنا تدخل أميركي واضح بالدعوة الى إعادة تعيين نائب الحاكم المنتهية ولايته محمد بعاصيري في منصبه السابق، وكذلك دعم بقاء رئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود لأسباب تخصّ تعاونهما مع الولايات المتحدة في «مكافحة تمويل الإرهاب وتبييض الأموال». وهنا تتندّر الأوساط السياسية والمالية بالدور الخاص لبعاصيري في دعم وترويج الإجراءات والعقوبات الأميركية على كيانات وشخصيات لبنانية بتهمة التعاون مع حزب الله، وهو من يروّج في لبنان لمشروع المسؤول الأميركي ديفيد شينكر بشأن وضع لائحة «الفاسدين» في لبنان.
وبانتظار القرارات النهائية التي ستصدر عن الحكومة تباعاً خلال الأسبوعين المقبلين، فإن الجميع يراقب نوعية الضغوط الجديدة المتوقعة على الحكومة، سواء من قبل قوى داخلية، يتقدمها ثلاثي سعد الحريري ووليد جنبلاط وسمير جعجع، او من قبل عواصم خارجية تتقدمها واشنطن والرياض.