ما إن جرى التداول بخبر توثيق أول إصابة بفيروس «كورونا» في لبنان، حتى سارعت المستشفيات الخاصة إلى سحب يدها من استقبال المشتبه في إصابتهم، خشية تنفير «زبائنها»، ليبقى مستشفى رفيق الحريري الجامعي وحيداً في الساحة، والملجأ اليتيم لدولة متهالكة أمام تحدٍّ صحيّ شديد الخطورة.ترافق ذلك مع سحب الجامعات الخاصة طلاب الكليات الطبية من المستشفى الحكومي، ليبقى طلاب كلية العلوم الطبية في الجامعة اللبنانية، وحدهم، يتحمّلون مسؤولياتهم المهنيّة والوطنيّة. فبعد ساعات قليلة من الحجر على الإصابة الأولى، تمّ تداول صورة للكادر الطبي في المستشفى الحكومي (ومن ضمنه طلاب الجامعة اللبنانية) بالزيّ الوقائي، مع فيديو من حفل تخرج الطلاب قبل عامين يقسمون فيه بأنه «إذا حلّ وباء أو أي خطر آخر فإني لن أسمح للخوف بأن يدفعني إلى الفرار من الواجب».
وعندما دعا وزير الصحة حمد حسن طلاب الطب في جامعات لبنان للمشاركة مع فرق الوزارة في مكافحة الوباء، عبر مرافقة فرق الرقابة الصحية أو عبر حملات التوعية، كان لطلاب الطب في «اللبنانية» نصيب الأسد من ملء الاستمارات استجابةََ لنداء الوزير، إذ فاق عددهم عدد المتقدمين من كليات الطب الخمس الأخرى في الجامعات الخاصة مجتمعين!
أمام هذا المشهد، يتضح مقدار تقصير الدولة وإجحافها بحق الجامعة اللبنانية عموماً وكلية الطب خصوصاً، ولا سيما ما أشيع قبل أشهر عن اقتطاع نسبة من البدلات التي يتقاضاها متدرّبو الجامعة شهرياً. يومها، عقد عميد الكلية ومجلسها اجتماعاً مع ممثلين عن الطلاب لتبيان الأمور وتوضيحها. في ذلك الاجتماع، بدا واضحاً أن الجامعة وكلية الطب تركتا وحيدتين لمعالجة تداعيات أزمة دولة على طلاب لا حول لهم ولا قوة، تماماً كما يُترَك أبناء هذه الجامعة اليوم وحيدين في مواجهة التحديات والظروف القاسية.
في الاجتماع المذكور، اقترح أحد الطلاب استعادة حق الجامعة اللبنانية في المستشفى الحكومي الذي أنشئ خصيصاً ليكون مستشفى جامعياً لطلابها، قبل أن يتحوّل لاحقاً إلى شراكة بين كل كليات الطب في لبنان، حتى بات طلاب «اللبنانية» ضيوفاً عوض أن يكونوا أصحاب الدار.
هذا الاقتراح، إن طبّق، من شأنه أن يحلّ الصعوبات والعوائق التي تواجه متدرّبي الجامعة، والتي تعمل إدارة الكلية باللحم الحيّ على تذليلها. وقد أوحى رد فعل مجلس الكلية على الاقتراح بأن ليس لدى الجامعة قدرة على إعادة المستشفى للغاية التي أسس لأجلها، وأن «سحب» المستشفى لخدمة الجامعات الخاصة جرى وفق «مخطط» على المستوى السياسي والحكومي، يقف وراءه من أضجرونا، على مدى سنوات، بخطاباتهم وادّعاءاتهم بأنهم رجال دولة ووطن... فيما نرى أسماءهم كمتبرّعين على لوحة علّقتها إدارة الجامعة الأميركية في بيروت، وبين هؤلاء رؤساء ووزراء ونواب دولة لم تجد ملاذاً لها سوى مستشفى حكومي أهملته، وطلاب جامعة همّشتهم وهمّشتها.
اليوم، إن كان هناك من نيات إصلاحية صادقة، فلتبدأ بإنصاف الجامعة اللبنانية وطلابها. ليعُد مستشفى الحريري مستشفىََ جامعياً لكلية الطب في الجامعة اللبنانية، وليتمّ رصد ميزانية وازنة للجامعة اللبنانية، فخيرها للبنان، وهي ــــ كما أثبتت التجارب ــــ أنجبت أبناءََ راسخين في تحمّل مسؤولياتهم الوطنية...
هي جامعة الوطن، وكلها للوطن، وهي الغربال والفاروق بين الصادقين في مساعي النهوض، والطامحين في زيادة أعداد أصوات المقترعين.

* طالب في كلية الطب في الجامعة اللبنانية