في 12 كانون الأول الماضي، نشرت «الأخبار» تقريراً بعنوان «حجز على أصول «SGBL» في فرنسا: التذرّع بـ«أوفاك» لحجز أموال مودِع». روى التقرير قصّة زبون يملك حساباً برصيد 20 مليون دولار في المصرف، حجز عليها الأخير، وحوّلها من الدولار إلى الليرة اللبنانية، لأنّ والد المودِع أُدرج على لائحة العقوبات الأميركية ــــ «أوفاك». خاض الطرفان نزاعاً قانونياً، في محاولة من الزبون تحصيل أمواله التي مُنع من سحبها، فتمكّن من الاستحصال على قرارٍ من قاضي التنفيذ في محكمة الدرجة الأولى ــــ باريس، بالحجز الاحتياطي على أموال «سوسيتيه جنرال» وأسهمه في «ريشوليو» (المؤسسة المالية الفرنسية التي استحوذ عليها «SGBL» في عام 2018)، ضماناً لمبلغ 20 مليون دولار أميركي، أو 18 مليوناً و171 ألفاً و502 يورو، تُمثّل «ديون مصرف «سوسيتيه جنرال» لصاحب الدعوى»، كما ورد في نصّ قرار القاضي.
(هيثم الموسوي)

تعاملت «الأخبار» مع الموضوع، مثله مثل حالات صحافية سابقة: حصلت على المستندات القانونية، ثمّ اتصلت بإدارة المصرف اللبناني للحصول على وجهة نظرها من القضية، فطلبت إدارة المصرف «تأخير النشر يوماً واحداً»، إلى حين التواصل مع الدائرة القانونية لديها. تمّ اللقاء بين «الأخبار» ومُمثّل عن الـ«سوسيتيه جنرال»، على أساس أنّه سيتمّ تزويد الصحيفة بالوثائق القانونية التي «تدحض» رواية المُدّعي. لم يفِ المدير، الذي نتحفّظ عن ذكر اسمه التزاماً بطلبه السابق عدم الكشف عن هويته، بالوعد. ورغم عرض كلّ المعلومات أمام الـ«SGBL»، ليقوم ممثلهم بإيضاح كلّ نقطة منها، إلا أنّ أجوبته «تميّزت» بالمواربة وإبقاء الحديث بالإطار العام، مع تكرار لازمة أن «هناك قضاء».
شهران مرّا، قبل أن يُقرّر الـ«SGBL» الردّ، بعدما اعتقد بأنّه امتلك «أوراق الهجوم». أحد أكثر المصارف مُمارسةً للإذلال بحقّ المواطنين خلال الأزمة الراهنة، و«تشحيذهم» الـ 100 دولار أسبوعياً من أموالهم الخاصة المودعة لديه، هذا إن وُجدت، قرّر تحويل نزاع بينه وبين أحد زبائنه، إلى خلاف شخصي مع صحيفة مارست واجبها في نقل الوقائع، وواجبها في التدقيق بها مع كلّ الأطراف المعنية. وأوهم المصرف الرأي العام بأنّه «مظلوم» يتعرّض لحملة مُمنهجة، فيما هو غارقٌ في مُستنقع يُحاول عبثاً الخروج منه، بعدما عمل على تبديد أموال المودعين لديه، من دون مساءلة ومُحاسبة.
أصدر المصرف أوّل من أمس بياناً، افتتحه بجملة: «من ضمن الحملة المبرمجة التي تقودها جريدة «الأخبار»، أوردت هذه الأخيرة مقالاً منشوراً في عددها تاريخ 12/12/2019، تضمّن وقائع مغلوطة واستنتاجات قانونية خاطئة ومعلومات مبتورة ومجتزأة». ونشر المصرف البيان تحت عنوان: «بنك سوسيته جنرال ــــ لبنان يربح الدعوى بإسقاط الحجز الاحتياطي في رأسمال Richelieu»، وفي مضمونه يتم ذكر تفاصيل القضية من وجهة نظر المُدّعى عليه. ويُشير إلى أنّ طلب الحجز الاحتياطي على أموال المصرف وأسهمه في «ريشوليو»، استند الى دعوى «تقدّم بها العميل أمام قاضي الأمور المستعجلة في بيروت، صدر بنتيجتها قرار بتاريخ 13/2/2020. وهذه الدعوى هي دعوى ركيكة لا تستند إلى أي قاعدة قانونية صحيحة، ولا إلى أي واقعة جديّة، بحيث يمكن وصفها بمجرّد دعوى كيديّة لأجل استعمالها في فرنسا، والإيحاء للقاضي الفرنسي بأنه يوجد مبرّر لإقرار ججز احتياطي. فقضى القاضي اللبناني بردّها لعدم صحّتها ولعدم قانونيّتها، ما يؤدي عملياً إلى سقوط الحجز الاحتياطي في فرنسا لانعدام موضوعه ولانعدام سببه». إذاً، وبحسب البيان، «استنتج» المصرف بأنّ الحجز الاحتياطي سيسقط بعد ردّ الدعوى في القضاء اللبناني، خلافاً لعنوان الردّ الذي أوحى بأنّ إسقاط الحجز حصل فعلاً. فما هي الحقيقة؟
ردّ قضاء العجلة في بيروت الدعوى ضدّ المصرف لعدم إمكان دفع الوديعة قبل استحقاقها


في 13 شباط، أصدرت قاضية الأمور المستعجلة في بيروت، ماري ــــ كريستين عيد، قراراً بردّ دعوى الاستحضار التي قدّمها المُدعي بوجه «بنك سوسيتيه جنرال في لبنان»، وتضمين المُدّعي النفقات كافة. النقطة الرئيسية التي استندت إليها القاضية، هي أنّ المُدّعي يملك حساب توفير لدى المُدعى عليه «وقد وافق على تجديده لمدّة ستة أشهر ابتداءً من 14 نيسان 2019، وأنّ المصرف قام بتحويل رصيد هذا الحساب إلى الليرة اللبنانية إنفاذاً لقرار هيئة التحقيق الخاصة (في مصرف لبنان)، كما قام بتجديد تجميد الحساب بتاريخ 14 تشرين الأول 2019 وفقاً للبند السادس من عقد التجميد، بعدما أعلم المُدعي بقراره القاضي بالتريث عن إيجاب أي طلب يرمي إلى تحريك الحساب نظراً إلى المؤشرات التي تُحيط بملفه وتوجب التحقيق فيه». وبما أنّه لم يثبت للقاضية أنّ العميل اتفق مع المصرف على أي تغيير في عقد تجميد الحساب، وهو أرسل إنذاره للمطالبة باسترداد الوديعة في 8 تشرين الثاني 2019، أي بعد إعادة تجديد التجميد، «تمسي الوديعة غير قابلة للدفع قبل موعد استحقاقها الجديد، ما يُزيل عن التعدي المشكو منه في المرحلة الراهنة صفة الوضوح الواجب ملازمتها له لتبرير تدخّل قضاء العجلة لإزالته».

رفع المُدّعي دعوى على مصرف لبنان، لتحويله الحساب من الدولار إلى الليرة


يُصرّ المُدعي على أنّه لم يكن يعلم بتحويل رصيده من الدولار إلى اللبناني، رغم اعتبار المصرف بأنّ طلب العميل «تسليمه مبلغَين بالعملة اللبنانية دليل على أنّه كان على علم مُسبق ووافق على عملية تحويل وديعته إلى الليرة». لذلك، قام فريق الادعاء، في 17 شباط الجاري، برفع دعوى على مصرف لبنان أمام مجلس شورى الدولة، بموضوع تحويل الحساب من الدولار إلى الليرة من دون إعلام صاحبه. كما أنّه سيُقدّم دعوى جديدة ضدّ الـ«SGBL» في لبنان، للحصول على الرصيد.
أما في فرنسا، فقدّم «سوسيتيه جنرال» طلباً أمام المحكمة الباريسية يشرح فيه حيثيات القضية ويعرض الآتي: عقد الحساب المُجمّد بينه وبين وكيله؛ قرار إدراج والد الوكيل على لائحة «أوفاك»؛ الطلبات الخاصة لهيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان بما يتعلّق بحساب المُدّعي؛ الإجراءات القانونية التي اتخذها الأخير في لبنان وفرنسا؛ رفض العميل الردّ على طلبات المصرف تبلّغ عدد من القرارات والتعاون بتزويده معلومات إضافية تُثبت أنّ والده ليس المستفيد من الحساب… بناءً على ذلك، «طلَب» المصرف من المحكمة في باريس سحب القرارات الثلاثة، التي سبق أن أصدرها قاضي التنفيذ في محكمة الدرجة الأولى ــــ باريس، وهي: الحجز على الأموال المنقولة، ويتضمن الحجز على الأسهم المملوكة من «سوسيتيه جنرال» في «ريشوليو»، لحفظ ودفع مبلغ 18 مليوناً و171 ألفاً و502 يورو؛ القرار الثاني هو حجز احتياطي ضمانةً لديون المصرف للمُدعي، أما القرار الثالث، فيتضمن رهن الأسهم/ الأوراق المالية التي يملكها «سوسيتيه جنرال» في «ريشوليو»، بما يُساوي قيمة رصيد المُدعي في المصرف. كما طلب «سوسيتيه» تغريم المدّعي مبلغ 10 آلاف يورو له، وتكبيده كل تكاليف القضية ونفقاتها. المحكمة الباربسية أرسلت في 6 شباط طلب المصرف إلى صاحب وديعة الـ 20 مليون دولار، مُستدعيةً إيّاه أمام قاضي التنفيذ في محكمة باريس، لحضور جلسة استماع بتاريخ 12 آذار، الساعة الثانية بعد الظهر. فكيف «حَكَم» الـ«SGBL» بأنّ الحجز على أمواله في «ريشوليو»، التي يتردّد نيّته فكّ الحجز عليه لبيعه وتحويل الأموال إلى لبنان، قد سقط، قبل استماع المحكمة الباريسية إلى الزبون الشهر المقبل؟