تتزايَد في بيروت مظاهِر القلق الناجِم من دخول البلاد المُربّع الأحمر قبلَ عشرين يوماً على استحقاق اليوروبوند (9 آذار)، فيما بدأ اللبنانيون يفقِدون شبكات الأمان الداخلية في لحظة اشتداد الأزمة المالية - الاقتصادية. وفيما تبدو السلطة محشورة بين فكّي خيار الدفع أو عدمه، في ظل تهويل بلغَ مستويات «التهديد»، تتجّه غالبية مكونات الفريق الداعم للحكومة إلى تثبيت «لاءاتها» في وجه تسديد الدفعات، بانتظار ما سينجُم عن الاجتماعات التي ستجريها بعثة خبراء صندوق النقد الدولي التي تصِل في اليومين المقبلين الى بيروت لتقديم مشورة للحكومة، وذلك في موازاة تطوّر بالِغ الأهمية تمثّل في الزيارة التي قامَ بها رئيس مجلس الشورى في إيران علي لاريجاني، آتياً من العاصمة السورية دمشق، إذ جدّد في لقاءاته التي عقدها، ولا سيما مع الرؤساء الثلاثة، استعداد إيران لمدّ يد العون إلى البنان في مجالات عديدة (التجارة والكهرباء والماء والغاز وكذلك القطاع الزراعي والنفط والبتروكيماويات)، ومُساعدته على تحسين أوضاعه الاقتصادية. وهو ما أشار إليه في مؤتمر صحافي عقده في مقر السفارة الإيرانية في بيروت، حيث أكد أن «كل الطروحات الايرانية تجاه لبنان لا تزال مطروحة، ونحن لا نخفي دعمنا للمقاومة، ونحن بحثنا اليوم جميع مجالات الدعم للبنان، خلال لقاء المسؤولين، في المجالات الصناعية والاقتصادية والزراعية». وأشار إلى أن «لبنان يمرّ بمرحلة حساسة، ونحن نأمل أن تتمكّن الحكومة الجديدة من تخطّي الصعوبات كافة، ونحن على كامل الاستعداد للتعاون في المجالات كافة».العرض الإيراني المتجدّد يأتي فيما تزداد حاجة لبنان إلى الدعم على كل الصعد، ما يطرَح السؤال حول قدرة حكومة الرئيس حسّان دياب على تحدّي الفيتوات الغربية، وتحديداً الأميركية والخليجية، التي رضخت لها الحكومات السابقة، إذ كان بعض مكوناتها يخضع للإملاءات الأميركية، إما بسبب الجبن السياسي أو الانصياع لسياسات واشنطن في المنطقة. وانعكس ذلك رفضاً مُطلقاً لأي عرض إيراني مهما بلغَ حجمه أو فائدته، مع الإصرار على حصر قبول المساعدات من جهات مُحددة، وإبقاء لبنان تحتَ وصاية الغرب. بمعنى آخر، فإن الحكومة اللبنانية والمسؤولين اللبنانيين هم اليوم أمام اختبار جرأة لاتخاذ قرار بقبول العرض الإيراني من دون التنسيق مع الغرب.
لاريجاني الذي وصلَ مساء أول من أمس، بدأ لقاءاته الرسمية باجتماع مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ناقلاً إليه رسالة من نظيره الإيراني الشيخ حسن روحاني بشأن العلاقات الثنائية وتطويرها، متمنياً للحكومة اللبنانية الجديدة النجاح في مهمتها، وتضمنت تجديد الدعوة الايرانية للرئيس عون الى زيارة طهران. كما التقى رئيس الحكومة حسان دياب، وتمّ عرض التطورات الإقليمية، إضافة الى العلاقات الثنائية بين لبنان وإيران. لاريجاني زار والوفد المرافق له مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، حيث التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري، وتمّ عرض العلاقات الثنائية بين لبنان والجمهورية الإسلامية الإيرانية. وفي خلال اللقاء الذي استغرق أكثر من ساعة ونصف ساعة، تخلّلته مأدبة غداء أقامها الرئيس بري على شرف ضيوفه، قال بري لضيفه إن «في الوحدة قوة، ولا خيار أمام اللبنانيين وأمام شعوب المنطقة والأمتين العربية والإسلامية سوى الاحتكام الى منطق الوحدة والتلاقي والحوار». وفي هذا الإطار، لفت الرئيس برّي إلى أن «اللقاء جرى خلاله البحث في تطورات المنطقة، وفي ملفات عديدة»، مشيراً أمام زواره إلى أن «لاريجاني جدّد استعداد إيران لمساعدة لبنان في مجالات مختلفة، من الكهرباء الى الأدوية الى المشتقات النفطية»، قائلاً: «في انتظار أن يقبَل اللبنانيون بذلك».
بري: الأولوية اليوم لملفّي «اليوروبوند» والكهرباء

بري، وفي معرض حديثه عن الأزمة الداخلية، أكد أن هناك أولويتين اليوم بالنسبة إليه «الأولى سندات اليوروبوند حيث لا يزال العمل جارياً على تكوين ملف كامل في هذا الشأن، وأمامنا أسبوعان لبتّه، والثاني هو ملف الكهرباء الذي يستنزف مالية الدولة بملياري دولار سنوياً»، مجدداً القول إن «المعركة المقبلة ستكون معركة الكهرباء وإيجاد حلّ جذري، لأنها واحدة من الإنجازات التي يجِب أن نحققها».
واستقبل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله لاريجاني والوفد المرافق، في حضور السفير الإيراني محمد جلال فيروز نيا، حيث «تم استعراض آخر الأوضاع في المنطقة، والتطورات الجارية وسبل مواجهة التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية»، بحسب بيان للعلاقات الاعلامية في الحزب. وكان لاريجاني قد التقى في مقر السفارة الايرانية ممثلين عن الفصائل الفلسطينية أشادوا بالدعم الإيراني المستمر للقضية الفلسطينية ورفض صفقة القرن، واعتبارها فرصة جدية لتحقيق الوحدة الفلسطينية في وجه الاحتلال والمؤامرة الأميركية. وخلال لقائه مجموعة من الشخصيات السياسية اللبنانية في مقر إقامته في بيروت، أكد أن صفقة القرن قد ماتت، لافتاً الى مُضيّ الجمهورية الإسلامية في مسار الاكتفاء الذاتي والاقتصاد المقاوِم في مواجهة العقوبات القاسية واللا إنسانية التي تفرضُها الادارة الاميركية على الشعب الايراني. ورأى «أننا لسنا بحاجة إلى أن نقوم بزيارات رسمية لتحقيق انسجام بين قوى محور المقاومة، والزيارات التي قمت بها إلى سوريا ولبنان أتاحت لي فرصة لقاء قادة المقاومة في البلدين». وتابع: «حزب الله ليس إرهابياً، ولن نسمح لأي دولة بتصنيفه على قائمة الإرهاب، والحزب سند للبنان وتصدّى للعدوان الإسرائيلي، وهو رأس مال كبير للبنان الشقيق».