في آخر «سلّة» صرفٍ من العمل، كان دور عمال «Le mall» في منطقة سن الفيل. 500 عاملٍ وعاملة سُرّحوا من العمل في المجمع التجاري وانضموا إلى لائحة المصروفين التي تكبر يوماً بعد آخر. هؤلاء ليسوا 500 «حاف». هم، بالمنطق الاقتصادي، 500 عائلة خسرت لقمة عيشها دفعة واحدة بسبب «تردّي الأوضاع الاقتصادية»، كما يأتي في كل بيان صرف يذهب ضحيته مثل هؤلاء. وفي ظل ازدياد حدّة الأزمة، يمكن القول، بثقة، إن هؤلاء ليسوا «الدفعة الأخيرة». ثمة جيش «منتظر» ممن سيحملون صفة العاطلين من العمل. هذا ما تقوله «عدّادات» الوزارات المعنية والنقابات التي لا تنفكّ تسجّل شكاوى المصروفين، فردية كانت أو جماعية. ففي كل يومٍ ثمة من يشتكي الخسارة. وفي نهاية تلك الشكاوى، سيصدر في كل عام تقرير «رسمي» يعدّد الخسارات وأعداد من صاروا بلا لقمة عيش.بعد أيامٍ، سيصدر التقرير السنوي لوزارة العمل ــ «الوصية» على حقوق العمال ــ من المفترض أن يتضمّن أعداد المصروفين العام الماضي (2019). سيكون التقرير مجرّد توثيق للمشكلة، من دون وضع إطار للمعالجة، إذ إن «وظيفة» هذه الوزارة حتى اليوم يقتصر على «العدّ». في التقرير الأخير، ترصد مصلحة القوى العاملة في الوزارة الشكاوى الفردية والجماعية، وطلبات التشاور التي تتقدم بها المؤسسات التي تتجه نحو الإقفال. حتى نهاية العام الماضي، قيّد السجل 113 شكوى جماعية (لا يقل عدد المشتكين فيها عن خمسة أفراد) و2344 شكوى فردية و182 طلب تشاورٍ، إضافة إلى الطلبات التي بتّت وأعداد المؤسسات التي أقفلت أبوابها العام الماضي. أما بالنسبة إلى توزّع الشكاوى الفردية بحسب المناطق الإقليمية، فقد سجلت منطقة جبل لبنان العدد الأكبر من الشكاوى التي بلغت 1099 شكوى (657 شكوى في دائرة جبل لبنان الشمالي التي تضم المتن وكسروان وجبيل و442 شكوى في دائرة جبل لبنان الجنوبي التي تضم بعبدا والشوف وعاليه). بعد الجبل، تأتي العاصمة بيروت بعدد شكاوى فردية بلغت 605، ومن بعدها دائرة الشمال بـ296 شكوى فردية ودائرة الجنوب بـ153 ودائرة النبطية بـ114 ودائرة والبقاع بـ71 وآخرها بعلبك الهرمل بـ6 شكاوى فردية. أما دائرة عكار، فلم يكن ثمة تبليغ من هناك. مع ذلك، تبقى هذه الأرقام هي الخلاصة «الموثقة» عن عمليات الصرف، من دون أن يعني ذلك أنها نهائية. فليس من فقدوا أعمالهم في قضاء الهرمل 6 عمال فقط، وليس أهل عكار مترفين. يمكن إيراد سببين لهذا النقص، أوّلهما أن الكثير من طلبات الصرف «تحلّ حبيّاً مع صاحب العمل»، يقول كاسترو عبد الله، رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين (fenosol). وغالباً ما تتم هذه الطريقة بالاتصالات المباشرة، حيث تنتهي «القصّة بأرضها» ولا تعرف بها وزارة الوصاية ولا مجالس العمل التحكيمية. كذلك، لدى بعض النقابات التي تهتم بأمور الموظفين، ثمة جزء من الشكاوى تسقط من سجل الصرف في وزارة العمل أيضاً بالطريقة «الحبية»، بوساطة الأخيرة، التي تعمل على «تحسين» شروط الصرف. ثمة سبب إضافي، وهو أن الكثيرين من المصروفين لا يبلّغون عن صرفهم، ليأسهم من طريق القانون في تحصيل حقوقهم؛ فالشكوى التي يفترض أنها تحمل صفة «العجلة»، تبيت في مجالس العمل التحكيمية أعواماً قبل تسويتها التي تتم «في الغالب لصالح رب العمل، بسبب تواطؤ ممثلي العمال مع ممثلي أصحاب العمل»، على ما يقول عبد الله. هذه الأسباب تجعل من الرقم الرسمي رقماً هزيلاً، عدا عن كونه ليس الوحيد. فوزارة العمل ليس الملاذ الوحيد للشكوى، إذ ثمة أرقام كثيرة تضيع بين النقابات والاتحادات العمالية. ففي جعبة الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين، مثلاً، سجّل ما يفوق «2000 شكوى ما بين فردية وجماعية، منذ منتصف العام 2019 حتى نهايته». يفنّد عبد الله تلك الجردة بما بين 800 شكوى فردية و50 شكوى عمل جماعية و80 شكوى على الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي و200 شكوى أمام مجالس العمل التحكيمية و90 شكوى تم التوصل فيها الى حلول حبّية. وهي «ليست كلها مسجلة في وزارة العمل».
سجلت منطقة جبل لبنان العدد الأكبر من شكاوى الصرف الفردية بلغت 1099

ويذكر، على سبيل المثال لا الحصر، 150 مصروفاً من عمال المرفأ ونحو 170 عاملاً في المطار (مع مجموعة شركات) و40 عاملاً في مخابز الـ«وودن» و170 عاملاً في مطعم «بابل»، وغيرهم. وفي جعبة الاتحاد العمالي العام مجموعة أخرى من الأعداد. لكلٍ أعداده، وبحسب إحصاء «الدولية للمعلومات»، ثمة 9 آلاف عامل صرفوا في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي! بغضّ النظر عن الرقم المهول، الذي يضم ليس حصراً أعداد شكاوى الصرف، بل يشمل أيضاً إفادات «ترك العمل» في الضمان، إلا أن الواقع على الأرض يقول إن الأرقام «مرشحة للارتفاع»، على ما تقول رئيسة دائرة مراقبة عمل الأجانب في وزارة العمل، مارلين عطا الله. تبني الأخيرة توقعاتها على ما تشهده الوزارة والدوائر الاقليمية في كل يوم، وعلى ما كان عليه الوضع عام 2018. وفي مقارنة للواقع ما بين العام الماضي والسابق له، فقد ازدادت أعداد الشكاوى الفردية 551 شكوى، والجماعية 61 شكوى، وطلبات التشاور 127… والعدّ مستمر. أما ماذا عن الحلول؟ فلا اقتراحات، لا من الاتحاد العمالي العام الغائب كلياً عن قضايا عماله ولا حتى من وزارة الوصاية. وآخر ما كان مطروحاً في فترة الولاية السابقة أن الوزير كميل بو سليمان وضع خطة لمتابعة قضايا الصرف، كما إعداد خطة طوارئ لدراسة طلبات الشركات لبتّها. أما اليوم، فما تفعله الوزارة هو دعوة اللبنانيين إلى القبول بوظائف برواتب متدنية!