يبدو أن الرئيس سعد الحريري فتح الباب أمام تواصل جديد مع السعوديين. منذ أسابيع عدة، لم يعد الرجل يُشتم في مجلس ولي العهد محمد بن سلمان. بل إن الأخير يتعمّد الإشارة إليه ببعض الودّ، وذلك رداً على حملة يقودها آخرون، من رئيس المخابرات إلى مجموعة سعود القحطاني إلى رجال الخارجية وفريق ثامر السبهان. هؤلاء الذين يتلقون تقارير يومية من رجالاتهم في بيروت (مخبرو هؤلاء ينتشرون بين القوى الحليفة، من «القوات اللبنانية» الى الحزب التقدمي الاشتراكي و«مجموعة العشرين» و«مسيحيي 14 آذار» و«شيعة السفارة»، إضافة إلى حشد من الإعلاميين والاقتصاديين ورجال الدين). وهؤلاء يركزون في حملاتهم على أن الحريري يمثل العائق الأبرز أمام استعادة «روح 14 آذار وقوتها». ويتهمون الرجل بأنه «مرتبط وعميل لحزب الله».صحيح أن ابن سلمان يبدو كمن «عفا» عن الحريري، لكنه لم يفتح له الأبواب بعد. العلاقات المالية لا تزال مقطوعة. والتعاون السياسي يقتصر على التشاور لا أكثر. والسفارة في بيروت مهتمة بالتواصل مع كل القيادات السنية في لبنان تحت شعار «منعهم من الذهاب إلى سوريا وإيران»، والسعي يكبر لجعل دار الفتوى المرجعية التي تمنح الشرعية أو تحجبها عن العمل العام لسُنّة لبنان. أما المساعدات المالية، فالكل يؤكدون أنها لا تزال حتى اللحظة محصورة بفريق «القوات اللبنانية» وقائدها سمير جعجع الذي يبدو أنه «الرجل الثقة» لدى قيادة المملكة. حتى النفقات الجانبية المتصلة بمواجهة النفوذ التركي والقطري في الشمال، متروك أمر إدارتها إلى جعجع نفسه.
وسط هذه المناخات، يحاول الحريري إعادة ترتيب وضعه. تيقّن من أحداً غير قادر على ادّعاء أنه البديل عنه. وهو يستفيد الآن من كون السعودية ترى فيه الأقوى، إن لم يكن الأفضل، بين جميع القيادات السُّنية في لبنان. لكنه يعرف أن الرياض تريد منه التموضع بصورة أوضح في المشهد الداخلي.
الحريري سبق أن اختلف مع الرياض حول الموقف من حزب الله. وهو قال، في حضرة الكبار من السعوديين، إنه لم يتعرض لأذى من الحزب، وإنه مدرك لسلوك الحزب خارج لبنان ولا يوافق عليه. لكنه لا يرى أن الحزب يقوم بأمور مضرّة في لبنان، بل كان متعاوناً معه أكثر من «القوات» ووليد جنبلاط ومن الرئيس ميشال عون أيضاً. وهو لا يقف عند هذا الحد، بل يؤكد أن الخلاف مع الحزب يعني دفع لبنان ليكون مسرحاً لفتنة سنية - شيعية، وأنه سيعارضها بقوة، ولا يرى فيها فائدة لأحد. بل يحذر من كون حزب الله أقدر على إدارتها وحتى على تحقيق تقدم في الشارع السُّني. لذلك يقول إن على العرب أن يجدوا الطريقة الأفضل لمواجهة حزب الله خارج لبنان، وأن يتركوا بيروت لأهلها.
وفق هذه القاعدة، فإن برنامج الحريري الجديد سيقوم على رفع شعار المواجهة مع التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل، وربما ينال قليلاً من الرئيس عون، لكنه ليس في وارد الدخول في مواجهة مع «الثنائي الشيعي». علماً أنه يمكنه تسويق هجومه على التيار، ونفض يده من التسوية الرئاسية على أنه انتقاد ضمني لحزب الله. مع الإشارة، هنا، إلى أن الحريري تبلّغ، كما عواصم عربية وأجنبية، بأن حزب الله أبلغ الرئيسين عون وحسان دياب، ووزراء في الحكومة الجديدة، بأنه يعارض بقوة، وسيرفض أي تعرض أو إقصاء لقيادات أمنية أو إدارية تُعتبر من حصة الحريري في الدولة.
لكن مشكلة الحريري الأهم تكمن اليوم في عدم قدرته على استعادة الزخم في الشارع. قبل أيام، فشل في دعوة أكثر من 40 منسقاً من أصل 175 من قيادات تياره للإعداد لمهرجان 14 شباط. معطيات الحريري دفعته إلى تغيير مكان الاحتفال من قاعة البيال على الواجهة البحرية (تحتاج إلى خمسة آلاف على الأقل) إلى باحة منزله وسط العاصمة (يمكن لألف رجل ملء الساحة وزواريبها) ما يجنّبه فضيحة الحشد. علماً أنه يعمل منذ ثلاثة أيام على تدارك الموقف بقدر ما يستطيع.