لا تزال الأشغال متوقفة في سد بسري منذ انطلاق الانتفاضة الشعبية في 17 تشرين الأول الماضي، حين دخل ناشطون معترضون أرض المشروع وأجبروا المتعهد على إخراج آلياته. إلا أن المعنيين في مجلس الإنماء والإعمار (الجهة المنفّذة) وفي البنك الدولي (الجهة المموّلة) لم يسحبوا المشروع من التداول. وينشغل الطرفان بتأمين تمويل إضافي للمراحل اللاحقة من الأشغال التي اقتصرت حتى الآن على جرف مئات الأمتار واقتلاع آلاف الأشجار.الجديد أن الاعتراض على المشروع امتدّ إلى... ألمانيا. إذ يشنّ نواب ألمان حملة ضد حكومة بلادهم التي تعد من أبرز مموّلي مشاريع البنك الدولي في العالم. ففي تشرين الثاني الماضي، وجّه كل من رئيسة الكتلة البرلمانية لتحالف حزب الخضر وحركة الصحوة الديموقراطية كاترين جورينج إيكاردت وعضو الـ«بوندستاغ» عن حزب الخضر أوي كيكرتز رسالتين إلى الوزارة الاتحادية للتعاون الاقتصادي والتنمية للاستفسار عن «مشروع الخزان الخاص بالبنك الدولي والحكومة اللبنانية في وادي بسري»، طالبين وقف العمل به.
إيكاردت قالت لـ«الأخبار» إن المشروع يمثل «أرضاً خصبة للفساد في ظل أشغال باهظة الكلفة من دون نتائج مؤكدة. وهو يدمّر معيشة سكان الريف، ما يخلق ضغطاً على بيروت الكبرى». فيما اعتبر كيكرتز في جواب عن سؤال لـ«الأخبار» أن «من غير المقبول أن يصرّ البنك الدولي على التمسك ببناء السد. في حين أن آثاره مدمّرة على السكان المحليين والبيئة»، والأسوأ «أن اعتراض المواطنين لا يؤخذ على محمل الجد». كيكرتز انتقد البنك الدولي وكذلك «الحكومة اللبنانية التي تدرك بأن تمويل السد قد يؤدي أيضاً إلى انهيار ميزانية الدولة». كما شملت انتقاداته الحكومة الألمانية التي «أبقت بابها مفتوحاً لدعم المشروع بناءً على طلب حكومة فقدت صدقيتها، رغم رفض السكان وتشكيك المتبرعين بجدواه». الرسالتان عبّرتا عن القلق على مصير الأموال التي يدفعها المكلّفون الألمان لتمويل مشاريع البنك الدولي، ودعتا الحكومتين الألمانية واللبنانية والبنك الدولي إلى «التوقف فوراً عن بناء السد والبدء بنقاش جدي مع أهالي الوادي للتوصل إلى مشاريع مجدية».
ويظهر من الرسالتين أن النائبين الألمانيين حضّرا واجبهما جيداً تجاه مشروع السد أكثر من الجهات المنفذة. إذ شكّكا في مسار المشروع منذ الدراسات الأولية وطرحا تساؤلات عدة، منها «كيف يمكن تكليف الشركة نفسها إنجاز أشغال مرتبطة بالمشروع وإجراء تقييم للأثر البيئي؟ وكيف يمكن للبنك الدولي أن يقرض عشرات ملايين الدولارات مع التشكيك بقدرة لبنان على تسديد التزاماته المالية في ظل الفساد المستشري وسوء الإدارة»، وذكّرا بالمخارج البيئية التي تغني عن المشروع، والتي قدّمها المعهد الاتحادي الألماني لعلوم الأرض والموارد الطبيعية (BGR)، في دراسة أجراها عام 2014 حول سبل تأمين المياه لبيروت الكبرى من ينابيع جعيتا والقشقوش وأنطلياس.
الحكومة الألمانية: سنحاول إعادة النظر في تنفيذ المشروع بالمشاركة مع المموّلين الآخرين


وفي 16 كانون الثاني الماضي، ردت الوزارة الاتحادية للتعاون الاقتصادي والتنمية على الرسالتين بأنها نقلت احتجاجات النائبين إلى البنك الدولي. وخلصت إلى «أننا، بصفتنا ممولين في البنك الدولي، ليس لدينا إمكانية للمعالجة بعد اختتام مرحلة الاعتراض. لكننا سنحاول إعادة النظر في تنفيذ المشروع بالمشاركة مع المموّلين الآخرين. والأفضل أن يبحث البنك الدولي المشروع مجدداً مع الحكومة اللبنانية، شرط أن يرتبط سد بسري، ولو جزئياً، برزمة الإصلاحات التي ستطلب من الحكومة اللبنانية من قبل الدول المانحة».
وعلمت «الأخبار» أن النائبين الألمانيين يحشدان تأييداً بين زملائهما لتطوير الاعتراض. فيما اعتبر منسق الحملة الوطنية للحفاظ على مرج بسري رولان نصور أن التحرك الألماني «يشكل ثمرة نشاط الحملة على المستوى الدولي. ولن نسمح لسلطة الفساد بأن تستغل الديون الأجنبية لتدمير ما تبقى من البيئة والإرث الثقافي وجرّ المياه المسرطنة إلى بيروت».