قبل نحو 3 أشهرٍ، وتحديداً منذ بداية الانتفاضة على الوضع الاقتصادي المهترئ، صار الفقر واضحاً. صارت وجوه الفقراء تكثر. كثر صُرفوا من أعمالهم أو صاروا بلا مأوى لعجزهم عن تسديد مستحقات «صاحب البيت». كلنا يتذكر وجه أحمد، وهو واحد من هؤلاء الفقراء، الذي خرج ليقول إنه جائع لأن إحدى البلديات منعته عن عمله «في مستوعبات النفايات».أحمد هو واحد من بين كثيرين لم يعودوا يجدون ما يسدّون به جوعهم اليوم، بعدما وصلت الحالة الاقتصادية إلى الانهيار. لا عمل ولا ضمان ولا صحة. الجميع في الدوّامة، والدولة غارقة في «خطاياها» التي ارتكبتها على مدى سنواتٍ طويلة.
في ظل هذا الواقع المأساوي، وُلدت بعض مبادرات لا تعوّض غياب الدولة، لكنها، على الأقل، «تسنُد» ولو لفترة من الوقت. «حس بغيرك»، واحدة من المبادرات التي بدأت قبل نحو شهرين «وكم يوم»، تقول إحدى المؤسسات لها، المحامية سوزان مهنا. حفظت مهنا تاريخ «ولادة» المبادرة، التي تعيشها بتفاصيل «حكايا المحتاجين الموجوعين». هي واحدة من الشباب الذين أسسوا تلك الصفحة على موقع فايسبوك، والتي تضمّ في كل يوم متطوعين جدداً. وقد حدّد المؤسسون هدف «حس بغيرك» بأنها «لخدمة المحتاجين وإيصال صوت من لا صوت لهم في ظل الظروف القاسية التي يعاني منها لبنان».
اليوم، بعد شهرين ونيّف على الإطلاق، صار عدد القصص التي رواها «المحتاجون» على الصفحة 53 قصة مؤلمة. استطاع الشباب في الصفحة أن يؤمنوا مساعدات لأصحابها، ولكنها تبقى مساعدات محدودة ولفترة معينة «مع ذلك هي تسند من لا يملك شيئاً في هذه الفترة التي نعيشها»، تقول مهنا.
بنيت فكرة «حس بغيرك» على تلقّي فريقها المتطوع «رسائل خاصة عبر خاصية الماسنجر، فنتعرف إلى وجع الناس ومعاناتهم». بعد ذلك، تقول مهنا «نتأكد من الحالة الواردة، نرسل أحد الأشخاص ليسأل عنها في محيط سكنها، وبعد التأكد تتواصل إحدى المتطوعات مع العائلة لإجراء تحقيق عما تحتاج إليه».
يعمل شباب «حس بغيرك» بأقصى طاقاتهم في محاولة منهم لتوفير «أقصى ما يمكن للعائلة المحتاجة»، تقول مهنا. تفرح هذه الأخيرة عندما تكثر رسائل المتبرعين. وتشير إلى أنه منذ شهر تقريباً «كانت أعداد المتبرعين أكثر من اليوم»، لكنها تأمل مع الوقت بأن تعود الحالة إلى ما كانت عليه. من أجل ذلك، يعمل هؤلاء الشباب على التواصل مع الناشطين لإيصال هدف الفكرة والصفحة إلى الناس، كما «مع الفنانين والمشاهير للحصول على دعمهم».
في نهاية المطاف، «حس بغيرك» ليست جمعية، وإنما هي «صوت للمحتاجين»، ولذلك، فإن المتطوعين فيها لا يتلقّون المساعدات مباشرة وإنما يرشدون المتبرّع إلى العائلة «ليذهب بنفسه إليهم ويطّلع على أحوالهم».
تبقى «حس غيرك» مبادرة. صحيح أنها تسند المحتاجين، لكنها ستكون عاجزة بلا شكّ أمام أرقام الفقر التي تزيد في كل لحظة، بسبب سياسة الدولة العاطلة.