مرّ شهر على تكليف رئيس الحكومة حسان دياب تأليف الحكومة... حكومة لون واحد مهما حاول البعض تغليفها باسم «التكنوقراط». هي حكومة قوى 8 آذار والتيار الوطني الحرّ وحسان دياب، حتى لو أن الأخير غير محسوب على هذه القوى وأثبت خلال المفاوضات عدم انصياعه لجزء كبير من رغبات الأحزاب السياسية وطلباتهم، بشهادة النائب نهاد المشنوق. لكن يبدو أن المشكلة الرئيسية تكمن في تحالف فريق 8 آذار ــ التيار الوطني الحر. لا أحد يدري كيف يمكن لهؤلاء الانفصال عن الأحداث التي تجري منذ 17 تشرين وما زالت. أهو تجاهل متعمد أم ينمّ عن سذاجة وعدم مسؤولية تام؟ ماذا ينتظر هذا الفريق بعد حتى يدرك أن حالة الطوارئ المستمرة في البلد لم تعد تحتمل التلاعب بمصيره من أجل وزارة من هنا وحصة اضافية من هناك؟ ثلاث سنوات مرت من عهد الرئيس ميشال عون حملت معها ثلاث سنوات من فشل التيار الوطني الحر وحلفائه في تحويل خطاب الرئيس الى برنامج عمل فعلي وخطة عمل إصلاحية، يمكن الانطلاق منها لتغيير سياسي وإداري ولو بنسبة ضئيلة. منذ شهر والفرصة متاحة أمام قوى 8 آذار والتيار الوطني الحر لقيادة الدفة السياسية من دون عرقلة من أحد، والبدء بالعمل بعيداً عن نظرية «لم يسمحوا لي وعرقلوني». الأهم، اللحظة الحكومية اليوم تتزامن مع وصول الحريرية إلى أضعف حالاتها منذ مطلع التسعينيات. لا يعني ذلك بالطبع أن الحكومة المقبلة ستصنع المعجزات، ولكن أقله هي فرصة للسعي إلى التخفيف من وحشية النظام. رغم كل ما سبق، قررت القوى السياسية المشارِكة في التأليف والإمعان في «صبيانيتها».رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية ورئيس الحزب الديمقراطي طلال أرسلان وآخرون يتعاملون ببرودة مع التأليف، من دون أي اعتبار للأزمة الاقتصادية. هؤلاء الذين لا يزالون ينظرون الى ما يحصل في الشارع على أنه مؤامرة، يصرّون على تشريع الباب لهذه المؤامرة، عبر تأخير تأليف الحكومة، وإصرارهم على «هراء» من نوع «حصتي أكبر من حصتك»، متجاهلين أن هذه المعارك لا تُنتج سوى تراجع في الشعبية، وأن الناس تريد حلولاً لأزماتها لا «حروباً» لا طائل منها تحت رايات «تحصيل الحقوق».
يبدو أن أفضل وصف للخلافات التي تعتري الفريق الواحد عبّر عنها النائب جميل السيد في تغريدة دعا فيها المقاومة إلى ترك «الوسخ السياسي في أيدي أصحابه»، إذ كان يفترض ببعض قوى 8 آذار والتيار الوطني الحر أن يدركوا خطورة المرحلة التي تمرّ بها المنطقة بعد اغتيال الولايات المتحدة لقائد قوة القدس في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس. اغتيال بمنزلة إعلان حرب أميركية على محور المقاومة، وحزب الله أبرز المستهدفين فيها. أقل ما كانت تحتّمه هذه الأزمة الإسراع الى تحصين الوضع الداخلي عبر تأليف حكومة فاعلة، لا المراهنة على أن الردّ الايراني في قاعدة عين الأسد أقفل أبواب المواجهة في الإقليم. يتجاهل هؤلاء أن ضغوطاً هائلة تمارِس على الرئيس المكلّف، من داخل بيئته الطائفية، وأن تمديد فترة التكليف يُفسح في المجال أمام إصدار «فيتو» طائفي على حسان دياب شبيه بالذي أشهِر في وجه سمير الخطيب.
وسط هذا المشهد، هناك من لا يقل صبيانية عن الأفرقاء السياسيين السابقي الذكر، وهو سعد الحريري. قرر الأخير الاستقالة من مهامه و«الحرد» إذا لم تُعَد اليه رئاسة الحكومة وبشروطه. بالنسبة إلى الحريري، ثمة من خطف منه «لعبته» وليس بوارد تحمّل أيّ مسؤولية حتى لو كان الهيكل ينهار بمن فيه. يدعو رئيس الجمهورية يوم أمس الى اجتماع للمجلس الأعلى للدفاع في قصر بعبدا، فيرفض الحريري، وهو نائب رئيس المجلس الأعلى تلبية الدعوة، ما يحول دون عقده. تبرّر مصادره هذا التصرف بأن الأزمة اليوم بحاجة إلى حل سياسي لا أمني، فيما هو شخصياً يسهم في عرقلة كل الحلول وتحريض الأجهزة الأمنية التي لا تزال تأتمر بأوامره، بوصفه المتظاهرين بالمرتزقة والمندسين واختراع غزوات مذهبية، لتبرير لجوء الاجهزة الامنية إلى القمع. وبسبب غياب الحريري، استعاض عون عن هذا «المجلس الأعلى» باجتماع أمني يحضره وزيرا الدفاع الوطني والداخلية والبلديات الياس بو صعب وريّا الحسن وقادة الاجهزة العسكرية والأمنية عند الساعة الثانية عشرة ظهراً في قصر بعبدا.
الحريري يأمر بالقمع ثم يمنع انعقاد «الدفاع الأعلى» بذريعة رفض الحل الأمني!


تنصّل الحريري وغيره من القوى السياسية من تحمّل مسؤولياتهم، رغم كونهم جزءاً أساسياً من السلطة السياسية التي أفقرت الناس وسمحت للمصارف بسرقة أموالهم وترتيب ديون إضافية على الدولة، دفع برئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» محمد رعد، أمس، الى توجيه رسالة اليهم: «ممنوع على من يمتنع عن المشاركة ويتنصّل من كل الواقع، ويهرب إلى التل يترقب كيف تميل المايلة، التخلي عن المسؤوليات. إن شاركتم أو لم تشاركوا في الحكومة فأنتم معنيون، ولن ندعكم وشأنكم، وهذا البلد بلدنا وبلدكم. فمنذ ثلاثين عاماً وأنتم تغرفون من خيراته، واليوم تتنكرون وتقولون للناس دبروا حالكم». وأشار رعد الى أن مشكلة الحكومة «ليست فقط بالتشكيل، بل بأن إسرائيل تملك الغاز، ولا تستطيع تصديره إلا عبر أنبوب يمر في المحيط اللبناني. وهذا الأمر لا يمكن السماح به أبداً». وأكد أن «حزب الله مع الحراك، لكن لو شاركنا فعلياً فيه، لكانت الحرب الأهلية تقرع أبوابنا الآن». وحتى مساء أمس، حالت العراقيل دون الإعلان عن ولادة الحكومة، رغم زيارة الرئيس المكلف قصر بعبدا وبعدها عين التينة. فبعد إعلان تيار المردة الخروج منها نتيجة عدم حصوله على حقيبتين ربطاً بحصة التيار الوطني الحر، بقيت عقدة تمثيل الحزب السوري القومي الاجتماعي عالقة، لا سيما أن الرئيس عون لم يُبد حماسة لتولّي أمل حداد نيابة رئاسة الحكومة. بناءً عليه، ذهب هذا الموقع الى الرئيس المكلف حسان دياب الذي اختار لشغله أستاذة في الجامعة الأميركية. ووفق المعلومات، فإن حصول التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية (6 وزراء) إضافة الى الطاشناق (وزير واحد) على الثلث الضامن لم يعد يمثّل مشكلة لأي طرف، في حين أن الاعتراض الكاثوليكي خمد في ظل حصول الطائفية الدرزية على وزير واحد، لتبقى مشكلة القومي هي التي تعرقل التأليف على ما يقوله بعض المطلعين على مسار التأليف. وهنا، لا التيار الوطني يبدي استعداداً للتنازل عن إحدى الوزارات لحل الإشكالية على اعتبار أنه «قدّم أقصى ما لديه»، ولا حسان دياب مستعد للتضحية بمنصب نيابة رئاسة الحكومة أو الوزارة الأخرى التي تدخل ضمن الحصة المسيحية، أي العمل، من أجل إخراج تشكيلته الى الضوء. واستجدّ تفصيل إضافي أمس تمثل باعتذار كل من طلال اللادقي ومحمد فهمي عن عدم تولي وزارة الداخلية، والاثنان سمّاهما دياب، ما استدعى إعادة البحث في أسماء أخرى لهذا الموقع.