نحو 20% من مرضى السرطان فقط يتجاوبون مع العلاجات التقليدية للمرض، فيما تذهب سدى التكاليف المادية والصحية لنحو 80% منهم. والسبب أنّ إدارة الرعاية الصحية لهؤلاء المرضى تعتمد نهجاً موحّداً، إذ يُعالج معظم المُصابين بالمرض بالطريقة نفسها، في حين يفرض التقدم في العلوم والبيانات الصحية والتكنولوجيا الرقمية تحولاً في كيفية تلك الإدارة عبر ما يُعرف بـ«العلاج المُشخصن».وفق مُشاركين في ورشة نظّمتها شركة «روش» العالمية للأدوية في عمّان أخيراً حول الرعاية الصحية المُشخصنة، والدور الذي يلعبه علم الوراثة في علاج السرطان والتقدّم التكنولوجي في تسريع التطور في الطب الدقيق، تعمل الرعاية الصحية المُشخصنة من خلال جمع بيانات المرضى وتحليلها ومقارنة بعضها ببعض، ودرس الاختلافات التي يتميز بها كل شخص، ما يمكن أن يوفر فهماً أعمق لهذا المرض ويقدم معلومات حول كيفية استجابة المريض للعلاج ويساعد في اتخاذ الخيارات المناسبة لعلاج ناجح.
«كلّ شخص مصاب بالسرطان فريد من نوعه، والمظهر الجيني لورم كل مريض فريد من نوعه»، وفق رئيس منطقة المشرق في «روش» هشام صبري، كما أن «العلاج يمكن تحديده بحسب حالة كل فرد... والأهم هو مساعدة المرضى على تجنّب العلاجات غير الضرورية».
وهو ما يؤكده الدكتور صلاح عباسي، استشاري في أمراض الأورام وأمراض الدم في مجمع الخالدي الطبي في عمان، إذ إنّ الطب الدقيق هو «فن تخصيص الرعاية الصحية لكل مريض بناء ًعلى احتياجاته الخاصة وبالاعتماد على معلوماته النسيجية والجينية وظروفه الصحية». ويوضح أن «العلاج المُشخصن يتضمّن العلاجات التقليدية نفسها، ولكن بحسب خصوصية كل مريض». كما أن من شأن الاختبارات الجينية أن توفر مؤشراً مُبكراً لاحتمالات إصابة أي شخص بمرض معين، «وعليه، يتمكّن اختصاصيو الرعاية الصحية من تقديم المشورة الشخصية بشأن نمط حياة أو سلوك سليم للتقليل من فرص الإصابة».
وفق عباسي، فإن النظرة الشاملة للمريض والمرض تساعد الأطباء على تقديم تشخيص مبكر وأكثر دقة، واتخاذ قرارات علاجية أفضل، و«يسمح للمريض بأن يتلقّى العلاج والرعاية اللذين يتناسبان مع مرضه من خلال علم الوراثة الفردية وتفضيلات المريض الشخصية، ما يؤدي إلى نتائج أفضل ويجنبه الآثار الجانبية المحتملة».
ويرتكز العلاج المُشخصن على دراسة التغيرات الجينية بشكل يُتيح تغيير استخدام العلاجات. وبما أن الفحوصات الجينية تعدّ مكلفة مادياً، فإنّ العقبة الأساسية التي تحول دون اعتماده ترتبط بالكلفة المادية. لكن، رغم ذلك، فإن «من شأنه أن يوفر أيضاً مساراً طويلاً من العلاج الذي يذهب هباءً» وفق عباسي.
نحو 20% من المرضى فقط يتجاوبون مع العلاجات التقليدية


ويؤكد أستاذ علم الأورام في جامعة عين شمس في مصر أنّ التحليل الجيني الشامل للأورام هو «بداية لعهد جديد من الأساليب الحديثة التي تؤدي الى معرفة أوسع بالمرض الخاص بكل مريض على حدة، ما يؤدي إلى تخصيص علاج مناسب له، فيما يشير رئيس قسم علم الأمراض في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت رامي محفوظ إلى أن «الطب الشخصي سيصبح سمة مميزة في الجيل المقبل، وسيتمكن المرضى من استخدام أحدث التقنيات المخبرية والذكاء الاصطناعي لتخطّي الحدود والوصول الى مختلف الآراء وخيارات العلاج في كل أنحاء العالم.
اللافت، وفق المشاركين في الورشة، أن اعتماد إدارة الرعاية الصحية المُشخصنة من شأنه أن ينزع عن المرضى صفة «الأرقام»، ويحوّلهم إلى أفراد تؤخذ بياناتهم ومعلوماتهم الجينية الخاصة على محمل الجد. والأهم، أن هؤلاء يصبحون جزءاً من عملية العلاج عبر اختيارهم بأنفسهم العلاج الأمثل، عوضاً عن فرض بروتوكولات واحدة عليهم.