في اليومين الماضيين، حضرت إلى بيروت مجموعات من طرابلس. جزء منها أتى بصورة طبيعية. منتفضون ينتفضون في عاصمتهم. لكن بين هؤلاء أُتِي بمجموعات كان هدفها واضحاً: رفع منسوب التوتر الطائفي في البلاد. لم تنجح خطتهم تماماً، إذ لم يحدث الصدام الذي أراده مشغّلوهم. لكن منسوب التوتر ارتفع. يوم أمس، خرج فيديو فتنوي، يُذكّر بأحداث مضت في العراق، في سنوات الفتنة التي نتجت عن الغزو الأميركي لبلاد الرافدين. فيديو سجّله شاب من الميناء الشمالية، يعيش في اليونان، يشتم فيه مقدّسات الشيعة. بالتزامن، قطع «مجهولون» طريق الجنوب قرب السعديات، وأحرقوا علم حركة أمل، وشتموا رئيسها وحزب الله. بعد ذلك، مرّ موكب دراجات نارية في منطقة عين التينة، وأطلق مفرقعات باتجاه نقطة حرس لمقر رئاسة مجلس النواب. لاحقاً، بدأ شبان من الخندق الغميق، ومن أحياء بيروتية أخرى، ومن الضاحية الجنوبية، يتجمّعون قرب جسر الرينغ، قبل أن يشنّوا هجوماً باتجاه ساحة الشهداء. كانت محطة العربية - الحدث السعودية حاضرة، وبدأت بثّ شائعات مزجتها بنقل مباشر للوقائع. وبالتزامن، تعرّضت خيمة الاعتصام في النبطية للتخريب من قبل «مجهولين»، وهي الواقعة قرب السراي، أي إنها ينبغي أن تكون بحماية الأجهزة الأمنية. وفي صيدا، حصلت مناوشات على خلفية مذهبية.أمام هذه الوقائع ثمة أسئلة ينبغي أن تُطرح:
- من المسؤول عن استجلاب المجموعات التخريبية من طرابلس؟ وينبغي التأكيد هنا أن السؤال محصور بالذين استقدمهم مرتبطون بأجهزة أمنية، لبنانية وخليجية، وبتيار المستقبل، ولا يشمل المنتفضين الذين لا يجوز لأحد أن يسائلهم عن حقّهم في التظاهر أينما كان.
- كانت الأجهزة الأمنية الرسمية تعرف تماماً ما يجري الإعداد له. فلماذا لم تحرّك ساكناً؟ ولماذا تتعمّد ترك الأمور تصل إلى حافة الانفجار قبل أن تتدخّل؟
- لماذا وقف الجيش لساعات أمس «على الحياد»، في وسط بيروت؟
- لماذا التغاضي عن المجموعات التي تعرف الأجهزة الرسمية ارتباطها بأجهزة خارجية (وبعضها تشغّله أجهزة لبنانية)، وخاصة في الشمال، وتسعى بصورة حثيثة للسيطرة على الانتفاضة، لا ركوب موجتها وحسب؟
- لماذا ترك الجيش والأجهزة الأمنية الشبان يتجمّعون في الخندق الغميق، لأكثر من ساعة، من دون أي يتدخّلوا لفضّهم وثنيهم عن التحرك في اتجاه ساحة الشهداء، بدل اللجوء إلى محاولة سحبهم بعد بدئهم الهجوم، علماً بأن عددهم فاق ألفي شخص، وفق بعض التقديرات، ولم يعد ممكناً السيطرة عليهم بسهولة؟
- لماذا غابت استخبارات الجيش، ذات القدرة الفائقة على التدخل في منطقة الخندق الغميق، عن السمع ليل أمس؟
عائلة الشاب الذي سجّل الفيديو الفتنوي تبرّأت منه. وتبرّأ إمام مسجد الخندق الغميق من الشبان الذين خرجوا من الحيّ باتجاه ساحة الشهداء. وتبرّأ المنتفضون في إقليم الخروب من قاطعي الطريق في السعديات. وخرج مسؤولون من حركة أمل وحزب الله لمحاولة سحب الشبان من الشارع في وسط بيروت. وأطلّ كثيرون بـ«زجليات» عن الوحدة الإسلامية والوحدة الوطنية... لكن كل ما تقدّم لن يقي البلاد مصيراً قاتماً، في ما لو بقيت رهينة لمجموعات الفتنة، تديرهم أجهزة استخبارات، وقبل ذلك وبعده، عرضة لرهانات سياسية لن تُنتج سوى المزيد من الدماء والدموع.