التسوية الرئاسية انتهت، قبلها انتهى التحالف الوثيق بين رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. حصل ذلك قبيل تاريخ 17 تشرين الأول، إلا أن استقالة الحريري من الحكومة سرّعت الانفصال بين الطرفين، وصولاً اليوم الى وضوح تام في البيانات والبيانات المضادة. القراءة العونية للخلل الحاصل في العلاقة تبدأ بتململ كبير في الكثير من الملفات، لكنها توحي في الوقت عينه بأنها «قابلة للنقاش والحلحلة». ما هو غير قابل للحلحلة والنقاش في مفهوم الرأي العام العوني هو «استمرار التسوية الرئاسية وتفاهم التيارين بعدما خذل الحريري رئيسَ الجمهورية وباسيل»، بحسب أوساط التيار الوطني الحر. للتوضيح هنا، «الرأي العام العوني» ليس محصوراً بالحزبيين. الطرف الأول هو الجمهور الذي رافق عون منذ ثمانينيات القرن الماضي، أي الجمهور الذي كان ينتظر نشرة عون ليقرأ فيها عن «الحريرية السياسية» التي «أفقرت المجتمع وضمنها الطبقة الوسطى»، والتي «أنهت حياة المزارعين والصناعيين» عبر «قتلها» الاقتصاد المنتج وتحويله الى اقتصاد ريعي يعتمد على الاستيراد ويكدّس الديون. اصطدم لاحقاً بحقيقة مُرّة تنقض كل ما كتب وكل المعارك التي خاضها الشباب العونيّ عبر تسوية شاملة مع هذه الحريرية. كيف لمن حمّل مسؤولية الإقصاء السياسي لـ«السوري» والإقصاء الاقتصادي والإداري للحريري أن يعود ويشبك يديه بيديه إذاً؟
لا يمكن مواجهة الانهيار بإعادة من تسبّب فيه ليستمر بالعقلية عينها (مروان طحطح)

تقول المصادر العونية إن الرئيس ومعه باسيل وازنا منذ ثلاث سنوات بين سلبيات التسوية وإيجابياتها. ولا أحد ينكر في إطار الدفاع عنها أنها شكلت ممراً إلزامياً لانتخاب عون وضرورة وطنية للمّ شمل كل القوى وعقد مصالحة واسعة لإعادة النهوض بالبلد. يومها، «لم يكن الرجلان قد جرّبا العمل مع الحريري، وقبِلا على مضض بخسارتهما الشعبية من جرّاء تحالف مماثل من منطلق تحقيق إنجازات جذرية تسهم في إعادة الفوز بما خسروه». بعد ثلاث سنوات، حصد العهد والتيار خسائر بالجملة، لا هي ربّحتهم في الملف الاجتماعي والاقتصادي، ولا أعادت اليهم ما خسروه نتيجة هذا التحالف، بل ضاعفت الانتقادات الشعبية في البيت الداخلي قبل غيره. بدا ذلك في غاية الوضوح في مقابلة جبران باسيل يوم أول من أمس على قناة الجزيرة، حين قال رداً على سؤال عن الحريري: «تآكل صيتنا وآدميتنا ووصلنا إلى وقت رفضنا الشعب اللبناني بسبب اعتباره أن الفساد تغلب علينا وليس العكس». تبدو الجملة هنا في غير محلها، خصوصاً أن التيار ذهب الى التحالف مع الحريري بحماسة مطلقة، وأخذ قاعدته ولو مكرهة الى هذا «الالتئام». يسارع المقرّبون من باسيل الى شرح ذلك. قرابة سنة أو أقل بقليل مرّت على تأليف الحكومة الأخيرة، وكان يفترض أن تكون حكومة الإنجازات وتغيير السياسة الاقتصادية والنهوض بالبلد: «اصطدمنا بسلوك الحريري وطروحاته الاقتصادية المكملة للنهج المعتمد منذ 30 عاماً. حاولنا التحاور والنقاش، خذلنا مرة ومرتين وثلاثة وفي عدة محطات. اقتناع الرئيس راسخ ونهائي بشأن استحالة التعاون مع الحريري بعد اليوم، لأننا ندرك جيداً أن 3 سنوات إضافية معه ستوصلنا الى النتيجة عينها، وعندها نكون قد خسرنا كل شيء». بناءً على ذلك، يفضّل العونيون أن يخسروا «نصف الكأس»، وهناك مقولة واحدة تتردد اليوم في الطابق الثاني من ميرنا الشالوحي: «من جرّب المجرّب بيكون عقله مخرّب». وما كلام باسيل في المقابلة عينها سوى أبرز تعبير عن ذلك: «لا يمكن اعتماد ذات السياسة التي أوصلت البلد إلى الانهيار في مسعانا لتحقيق خلاصه». الأهم أنه يصعب التعايش مع «الفساد الذي أوصلنا إلى الفقر أملاً بأننا إن تعايشنا معه فلن يأكلنا أكثر». تقتبس المصادر ما قاله باسيل في ما خصّ التحالف الضمنيّ بين الحريري وحاكم مصرف لبنان، وإصرارهما على الاستدانة ورفع الفوائد وإفادة الطبقة الثرية والمصارف على حساب الباقين، لتؤكد أن «لا حياة مع الحريري في ظل تمسّكه بما سبق».
ينطلق العونيون من هذا التعبير في خطة إعادة النهوض بالعهد أولاً بعد أن تكبّد أضراراً شعبية تصعب معالجتها. فالجمهور العوني لم «يبلع» يوماً التحالف مع الحريري، ولكنه انتظر علّه يرى إيجابيات ولو صغيرة، قبل أن ينتفض بوجه التيار الوطني ورئيس الجمهورية. سابقاً، التزم الحزبيون، ضمنهم النواب والوزراء والكوادر، بقرار القيادة عدم التعرّض للحريري. «فالحلف كان في أوجه، وأيّ خطوة غير محسوبة ومتسرّعة كانت لترتّب تبعات سيئة». كل ذلك كان يفاقم نقمة العونيين الذين ابتعدوا عن التيار ولم يوفروا مناسبة لإطلاق سهامهم تجاه باسيل وعون إلا اقتنصوها. فالعلاقة مع الحريري لم ترقَ يوماً الى مستوى تفاهم التيار - حزب الله، لا عند الحزبيين الملتزمين ولا عند الرأي العام المؤيد. تلقّف الجميع تفاهم 6 شباط 2006 وساروا به أمام التيار الوطني الحر. «الرأي العام العوني عشق نصر الله، وضعه الى جانب عون وذهب الى التفاهم معه في المناطق، بينما وطّد النواب والوزراء والكوادر علاقتهم بنظرائهم.
إعادة النهوض بالبلد بحسب التيار تقتضي تخلي الحريري عن رئاسة الحكومة

وهو ما لم يحصل في الجانب الآخر. بقي تفاهم التيار مع شخص الحريري دون تياره، حتى اللقاء اليتيم الذي اعتزم باسيل إجراءه مع كوادر المستقبل، ألغي قبل حصوله». والسبب؟ «حقد الجمهور العوني على الحريرية السياسية ومن يمثلها، الى جانب عدم إقناع الحريري رأيه العام بعون... والعكس صحيح». لكن في مقابل منع عون أيّ تعرّض لرئيس الحكومة، استمرت انتقادات الحريريين لرئيس الجمهورية، وصولاً الى التحريض عليه. أما المقرّبون من باسيل، فيشيرون الى أن «عتب سعد على جبران يدور حول التعدي على صلاحياته بما يضرّه سنيّاً، لكن تبيّن عشية 17 تشرين أن الحريري قتل جبران مسيحياً». واليوم، بعد نقاشات كثيرة ودراسات واستطلاعات ومراجعة شاملة، لا يوجد أي مقاربة للواقع تقول بأنه «يمكن لعون وباسيل التصالح مع جمهورهما في ظل أي تحالف مع الحريري». هل الوقت مناسب للاستدارة نحو الربح الشعبي في حين أن الانهيار العام واقع؟ «ما سبق هو زبدة خطتنا لإعادة النهوض بالبلد أولاً، ثم بحزبنا ثانياً. لا يمكن مواجهة الانهيار بإعادة من تسبّب فيه ليستمر بالعقلية عينها. ألفباء الوطنية تحتّم علينا وعلى الحريري الترفّع عن المقاعد لحساب إصلاح الوضع الاقتصادي عبر تسمية رئيس حكومة قادر على إدارة البلد بنهج اقتصادي جديد».