حكومة تصريف الأعمال التي يرأسها سعد الحريري، هي أول حكومة تشرّع تمويل المحكمة الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وآخرين منذ تأسيسها. إذ أُضيف بند خاص بالمحكمة على قانون الموازنة العامة، فيما كان التمويل يتم قبل ذلك بطرق ملتوية غامضة.والغريب في الأمر أن ذلك جرى في أول حكومة يشارك فيها حزب الله بثلاثة وزراء ويتولى فيها قيادي في حركة أمل وزارة المالية. علماً أن هذه المحكمة أنشئت خلافاً للدستور اللبناني، وتجاوز فريق الادّعاء فيها أدنى المعايير الحقوقية والأخلاقية، واتهم مقاومين بالإرهاب من دون الاستناد إلى أدلة جنائية دامغة ومباشرة. وهي تزيد اليوم من مصروفها على حساب خزينة الدولة اللبنانية، بينما تحرم وزارات الصحة والشؤون الاجتماعية والتربية من هذه الأموال، ويعاني اللبنانيون أزمة معيشية خانقة وصلت إلى حدّ الانهيار الكامل.
أنفق لبنان حتى الآن أكثر من 500 مليون دولار على المحكمة، من دون تدقيق الجهات الرقابية المعنية وفي مقدمها ديوان المحاسبة. ولم يجر إطلاع اللبنانيين على تقاريرها المالية، إذ يصر القيمون على المحكمة، حتى اللحظة، أن تبقى التقارير سرّية ومحجوبة عن دافعي الضرائب في لبنان. والأنكى أن هذه المحكمة لم تأت بأي فائدة أو نتيجة ملموسة لا للدولة والمؤسسات اللبنانية ولا للشعب ولا حتى للفريق الداعم لها.
لكن الأكثر غرابة كان تمسك قيادة حزب الله ببقاء الحكومة التي شرّعت هذا الإنفاق وسكتت عن القرار الاتهامي الجديد (صدر في 19 تشرين الأول الفائت) الذي وردت فيه إدانات واضحة في حق شخص متوفّى (الشهيد مصطفى بدر الدين) لا مجال له للدفاع عن نفسه، وذلك في تجاوز إضافي لأبسط قواعد العدالة وحقوق الإنسان.
رئيسة هذه المحكمة (المعروفة باسم «المحكمة الخاصة بلبنان») القاضية إيفانا هردليشكوفا، أصدرت أمس قراراً بتشكيل غرفة ثانية للسير في المحاكمات في القضايا المتلازمة مع جريمة اغتيال الحريري. وتتعلق هذه القضايا بالاعتداءات التي استهدفت النائب مروان حمادة، والسياسي جورج حاوي، والوزير السابق الياس المر في 1 تشرين الأول 2004، و21 حزيران 2005، و12 تموز 2005 على التوالي. وعيّنت هردليشكوفا في الغرفة المستحدثة القضاة وليد عاكوم ونيكولا لتييري (إيطاليا) وآنا بدنارِك (بولندا). وسير المحكمة الدولية بغرفتين، خصوصاً إذا دخلت القضية الأساسية في مرحلة الاستئناف، يستدعي رفع ميزانيتها.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة عيّن أخيراً القاضية بدنارِك قاضيةً دولية جديدة بينما يشغل القاضيان وليد عاكوم ونيكولا لتييري منصبَي قاضيين رديفين في غرفة الدرجة الأولى الناظرة في القضية الأساسية. ولا بدّ من تخصيص راتب للقاضية الجديدة يُسدَّد 49 بالمئة منه من أموال اللبنانيين.
وصرّحت رئيسة المحكمة هردليشكوفا أمس قائلة: «أرحّب بالقاضية الجديدة آنا بدنارِك بين قضاة المحكمة». لكن القاضية لم تتنبّه إلى أن ما يطالب به المتظاهرون والمتظاهرات اليوم في المناطق اللبنانية كافة هو مكافحة الفساد وملاحقة الفاسدين. ولا شك أن ذلك يتطلب شفافية في عرض كيفية صرف أموال الخزينة، بينما تُخفي المحكمة الدولية تفاصيل صرفها لنحو 500 مليون دولار عن الناس.
«كلن يعني كلن»، يفترض أنه شعار يشمل المحكمة الدولية وكل من شرّعها وموّلها خلافاً للدستور والقانون وبشكل سرّي.