«أعتذر على ما صدر مني بحق أحد السياسيين. أعتذر من سماحة السيّد (حسن نصر الله)». بهذه الكلمات، عبّر الفتى كريم التوم على ما بدر منه من شتائم بحق الأمين العام لحزب الله، أول من أمس، من المنصة في ساحة عبد الحميد كرامي (ساحة النور)، أمام المحتجّين الذين تجمّعوا فيها. التوم الذي يعتبر ما جرى «غلطة وصارت»، يوضح أنّ أحمد باكيش طلب منه الصعود والغناء، «وقال لي اشتم هذا (…) ففعلت»، مضيفاً: «أنا لا مشكلة لي مع السيّد نصر الله وحزب الله. كلنا شعب واحد». أحمد باكيش هو نفسه الشخص الذي «قاد» في 6 تشرين الأول الماضي مسيرة احتجاج أمام قصر رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي في الميناء، «بسبب خلافات مادية مع الأخير»، وسبق أن اعتقلته استخبارات الجيش بتهمة الإساءة إلى رئيس الجمهورية. ويوم أمس، نشر أحمد باكيش على «فايسبوك» فيديو مباشر (سارع إلى محوه) يتباهى فيه بشتم نصر الله، مؤكداً أنّه مسؤول عن كلامه، «ومُستعد أن أشتمه مرّة ثانية». تمكّن باكيش من ممارسة «سطوته» على الفتى التوم، كونه كان حتى الثالثة من بعد ظهر أمس، «المشرف» على المنصّة، مندوباً عن «ثورة المحرومين»، التي انطلقت مع الأكاديمي فوزي فرّي، وكانت أول من بدأ الاعتصامات الاحتجاجية كلّ يوم أحد في طرابلس، ونصبت خيمة في ساحة النور. فرّي من ورثة «14 آذار»، ويُصنّف بأنّه على يمين تيار المستقبل، رغم تأكيده المستمر على استقلاليته. أما بالنسبة إلى باكيش، الذي تدور علامات استفهام عدّة حول انتماءاته، فوجد له البعض صورة كان قد نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، يظهر في خلفيتها العلم التركي وصورتان صغيرتان للرئيس رجب طيب إردوغان والسلطان العثماني عبد الحميد الثاني. ناشطون في الحراك الشعبي يتهمونه «بالتبعية لأكثر من جهة سياسية، وحتى أجهزة أمنية، وأنّه أحد العناصر التي تديرها غرفة عمليات تُشرف من بعيد على حركة الاحتجاج في طرابلس».بالعودة إلى قصة الهتاف ضدّ نصر الله، فقد «جوبه بالرفض الكبير له، وكان هناك تأكيد بأنّه لا يُمثّل طرابلس»، بحسب أحد أعضاء «وطني». وقد أخلت الأجهزة الأمنية سراح التوم، بعدما تمنّى نصر الله ذلك. أما والد الفتى، المختار حسام التوم، فجدّد اعتذار ابنه، «ليس من صفاتنا شتم أحد، وخصوصاً من السياسيين أو رجال الدين، لكن يبدو أن أحداً «وزّ» على راس ابني كي يقوم بفعلته». هذه الحادثة، وما يجري على منصة مبنى براد الغندور المهجور المشرفة على الساحة، تُثير استياء في المدينة، ولا سيّما ما يُبث منها من كلام، حرف الحراك الشعبي في الآونة الأخيرة عن أهدافه، ما أدّى إلى انتشار دعوات عدّة لإبعاد من يشرف عليها وتسليمها لآخرين، «حرصاً على الحراك من التشويه، وعدم إعادة طرابلس إلى زمن التوتر الأمني وجولات الاشتباكات، بعد الصورة الجميلة السلمية التي عكستها المدينة خلال الأيام الماضية، وجعلت منها أيقونة الثورة»، يقول محمد الحاج أحد الناشطين. فقبل شتم الأمين العام لحزب الله، صعد شاب وأخذ يكيل المديح ويهتف شعارات مؤيدة لرئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري، فما كان من طرابلسيين إلا أن أسكتوه معترضين.
أطلقت الأجهزة الأمنية سراح كريم التوم بعد طلب نصر الله ذلك


الاستياء الكبير من أحمد باكيش جعل كثيرين يتوعدونه بالرشق بالبندورة والبيض إذا صعد الى المنصة. بالتزامن، تسلّم «حراس المدينة» أمس المنصة، مع الإشارة الى أنّهم يُشرفون على التنظيم اللوجستي في الساحة. وقال المشرف على «حراس المدينة» جمال بدوي، إنّ «ساحة الاعتصام ستبقى عروس الساحات»، منتقداً ما سماه «الخرق الفاضح الذي حصل لتشويه الثورة وإعادة الخطاب التحريضي الطائفي، وتجييرها للمصالح الفئوية الخاصة»، وهو أمر شدد عليه أيضاً محمود شوك الناشط في «حراس المدينة»، الذي أشار إلى أنه «ممنوع نهائياً الكلام النابي أو شتم السياسيين أو رجال الدين، أو ما يمسّ كراماتهم. ما حصل لن يتكرر».
محاولة لملمة ذيول الحادثة لا تمنع أنّها طرحت أسئلة كثيرة حول خلفياتها ودوافعها، وخاصة أنّ ساحة الاعتصام لم تشهد طيلة الأيام الماضية التعرّض أو الإساءة لأي شخصية على هذا النحو. المؤشرات تدل على أنّ أجواء التحريض مسؤول عنها مقربون من تيار المستقبل، لركب موجة الحراك الشعبي بعد استقالة سعد الحريري، وهو ما برز في قول أحد خطباء الساحة: «نحن لم نسقطك يا شيخ سعد، بل أسقطنا حكومتك، وهذه الساحة ساحتك».
شتم نصر الله من على المنصة، وقبلها محاولة بثّ أغان لها علاقة بـ«الثورة السورية»، كانت البداية للبحث الجدّي في فكّ المنصة نهائياً، وتوكيل «حراس المدينة» بإدارة الساحة، والانتقال صوب استخدام مكبرات الصوت «لبثّ أغانٍ ثورية، أو أخبار ساحات الاعتصام الأخرى، أو لوضع إعلان ما، والاستفادة من المكبرات أثناء تنظيم مسيرات داخل الأحياء».