ركن السائق شاحنته الصغيرة المكشوفة عند المدخل الشمالي لساحة عبد الحميد كرامي (ساحة النور) باتجاه منطقة التل، قبل أن يفرغ حمولتها من أكواز (عرانيس) الذرة قرب بسطته، تمهيداً لسلقها وبيعها للمعتصمين الذين ملأوا الساحة وجوانبها منذ انطلاق شرارة الاحتجاج قبل ثمانية أيّام.المداخل الستّة للسّاحة أقفلت بكاملها بمكعبات اسمنتية، ولم يعد ممكناً الدخول إليها إلا مشياً على الأقدام أو بواسطة دراجات نارية، بعدما تحولت الساحة إلى «هايد بارك مفتوح نعبّر فيه عن رأينا» كما الشابة الجامعية التي تنشط في صفوف ناشطي المجتمع المدني.
الحضور الجماهيري الكثيف يومياً في السّاحة، وبقاء المحتجّين فيها حتى ساعة متأخرة ليلاً، ردّته مصادر أمنية إلى انتشار الجيش في محيط السّاحة، وقيامه بكل ما يلزم من أجل حماية المحتجّين. وأوضحت أنه «حصلت في اليوم الأول لحركة الاحتجاج في السّاحة تعديات على بعض المصارف، ما جعل الجيش يوجه رسالة قاسية لكل المعنيين بأنه لن تكون هناك خيمة فوق رأس أي مخرّب، وسيضرب بيد من حديد كل من تسوّل له نفسه القيام بذلك، ومنذ ذلك الحين لم تحصل ضربة كفّ في السّاحة».
الانضباط الذي ساد ساحة النور جعلها محط أنظار كثيرين من أبناء المدينة والمناطق المجاورة وشجّعهم على المشاركة. روبير، القادم من عكار يشارك يومياً في نشاطات الساحة، ويعتبر ما يحصل «تحولاً اجتماعياً مهماً جداً في المدينة كان مخبّأً وظهّر تنوّع المدينة»، مشيراً إلى «جذب فئات عديدة من مناطق وطوائف مختلفة إلى طرابلس». فيما يعتبر السبعيني خالد أن ما يجري «أمر طبيعي. الناس تريد التعبير عن وجعها وتعتيرها وفقرها ووضعها الصعب».
داخل السّاحة، الحركة لا تهدأ: توزيع قمصان صفر على عناصر الانضباط في السّاحة، تشبه ما كان يرتديها أصحاب السترات الصفر في فرنسا، في حين كان آخرون ينصبون الخيم في جنبات الساحة لاتقاء المطر، أو يوزّعون مظلات على المشاركين في الاعتصام بعدما بدأت الأمطار بالهطول. «السّياسيون استلموا طرابلس 30 سنة فجعلوها مدينة أشباح، بينما استلمها الشعب لمدّة أسبوع وحوّلها مدينة سلام»، يقول أحدهم.
وفيما أشيع في طرابلس في اليومين الماضيين أن مؤيدي تيار العزم الموالي للرئيس نجيب ميقاتي شاركوا في الاعتصام بعد مؤتمره الصحافي، أول من أمس، إلا أن العتب في السّاحة على ميقاتي لا يزال كبيراً. أحد الناشطين يقول: «لماذا لا يدعم تحركنا طالما أننا نلتقي معه في الدعوة إلى إسقاط الحكومة؟ وإذا كان يؤيد استقالة الحكومة فعلاً، لماذا لا يدعو وزيره فيها (عادل أفيوني) إلى الاستقالة؟».