غالبيّة المشاركين لا تتحدّث عن سعر ربطة الخبز، أو أزمة المحروقات، أو ضريبة «الواتساب» التي كانت الحكومة تنوي إقرارها ولا عن الورقة الإصلاحيّة. في المتن، لن تصادف خطاباً ثورياً يسارياً أو دعوات لإسقاط النظام أو حكم المصارف. يبدو الهمّ الأكبر للمشاركين تعليم أولادهم بكلفة معقولة وتأمين مستقبلهم بدلاً من الهجرة. «أقساط المدارس باتت باهظة جداً عن ولدي اللذين لا يتجاوزان السادسة من عمرهما، أنا مضطرة للعمل»، هذا ما تقوله امرأة ملتحقة مع ولديها بالتجمّع. «لم تعد هناك طبقة متوسّطة لا في المتن ولا سواه، ويفترض أن يستمر طلاب الجامعة اللبنانية بإضرابهم»، هذا ما يقوله إيلي طالب العمارة في الجامعة اللبنانية. أما سيرج طالب كليّة العلوم في الجامعة نفسها، فيرى أن «المتن بخلاف ما يُنظر إليه، ثمة أكثر من 5 آلاف طالب في كليّتي في الفنار وحدها، وهذا يفسّر الوضع الاقتصادي للمتنيّين»، ويضيف «لسنا مع الحضور الحزبي والعلم اللبناني وحده يجب أن يُرفع».
لا تكترث فريال للتقدّم بالسنّ، «راحت عليي»، لكنها هنا لتطالب بـ«حقوق الشباب خصوصاً العاطلين عن العمل في عكار وطرابلس وكل لبنان. نحن عشنا ما عشناه خلال الحرب، هجرتُ لبنان بعدها، لكن جريمة أن يبقى البلد على حاله». نيكول تتحضّر لتقديم شهادة الثانوية العامة، تقول «أحاول البحث عن جامعة في الخارج، أشارك علّ وطننا يتحسّن وضعه، وأنا لا أؤيّد أياً من الأحزاب الموجودة». يحمل شربل ابنه على كتفيه، سائلاً «هل هذا بلد يمكن لربّ العائلة أن يعيش فيه؟ ليس المتن وحده، كل المناطق على الطرقات. غلا البنزين والمواصلات والفواتير العديدة... شو بدي عدّ لعدّ!».
ريتا من الجالسين تحت إحدى الخيم المتحرّكة على طريق جل الديب، تشارك في تنظيم التجمّع مع التأكيد على أن «لا لجنة منظّمة، نحن من شباب المنطقة، المحلات والشركات تتبرّع بما تستطيع مثل شركة الصوتيات»، وغير ذلك؟ «لقد حان الوقت لانتفاض المتن لأن اللوعة طالت كلّ الناس، يمكن قبل كنا نعضّ ع جرحنا ونكابر، حالياً الناس كلّها تعبت». شركات ألبان وعصائر كانت توزّع منتجاتها مجّاناً على الحاضرين، المطاعم القريبة أيضاً. وحده العلم اللبناني قام الباعة المتجوّلون ببيع الصغير منه بخمسة آلاف ليرة والكبير بعشرة. الاعتراض ظهر لدى تداول بيان وزير التربية حول افتتاح المدارس والجامعات في اليوم التالي (تراجع عنه الوزير مساء)، فقال المتحدّث على المنصّة «هلق صرت خايف على مستقبل التلاميذ؟». العلم الذي يحمله باتريك دُوِّن أسفله تاريخ انطلاق الحراك الأخير وتاريخ 14 آذار 2005! والسبب في أنه «العلم نفسه الذي حملته حينها وأحمله اليوم، لقد شبعنا كذباً وبدي الكل يفلّوا، والثورة ليست للمتن بل لكل البلد». تريد أنطوانيت أن توصل صرختها «العالم كلّها بلا أشغال، العالم ميتة، يردّوا المال يلي نهبوا»، وماذا عن الأحزاب المسيحيّة؟ «من فيهم كرامة استقالوا».
مناصرو «القوات» لا يصرّحون بهويّاتهم الحزبيّة ويبتعدون عن الإعلام
رغم قطع الطرقات وصعوبة الوصول، جاء باسل من صور إلى جل الديب بهدف إثبات أن «كلنا إخوة والدين شأن شخصي، جئت أطالب بحقوق الشعب ورفض إبر المورفين التي تقدّمها السلطة». همّ أمال مختلف وهو «مستقبل أبنائي، وتأمين بيئة نظيفة لهم في بلد لم تستطع السلطة فيه حل أزمة النفايات»، وأكثر من ذلك فإنّه «لدى الطائفة الشيعيّة من يتكلّم باسمها وتعترض ساعة تشاء... أما نحن فعاضّون عالجرح وساكتين، لكننا أيضاً جائعون ولا نستطيع تأمين تعليم أولادنا ولا نضمن بقاءهم بجانبنا. أما الأحزاب غير الخائفة فلتكشف عن حساباتها المصرفيّة، وعبارة كلّن تعني كلّ الفاسدين». برأي كلود «يجب على حكومة لم تقم بشيء خلال سنتين أن تسقط، وإن يكن بالأغاني والرأي السلمي». جورج الستّيني يرى أن «عقليّة جيلنا القديمة وما كان سائداً أيام الإقطاع، مثل ما تتعلّموا أسعد عم يتعلّم، لم تعد موجودة. لأول مرة في لبنان الجميع ينتفض، لأنهم دعسوا على كرامات الناس وسرقوا كل شيء». كريستين فقدت ثقتها بالحكومة بسبب تفشّي الفساد والبطالة، «إلاّ بالنائب سامي الجميل!»، لكن «بالوقت الحالي نسينا الأحزاب وصار وقت الجدّ، كانت لدينا أحلام بالعماد عون في التسعينات، لكن عهده اليوم أصيب بالفشل، يمكن ثمة من سعى لإفشاله... غير أن ما يعانيه المتن بشكل خاص لم يعشه حتى خلال الحرب».