يناقش مجلس الوزراء اليوم على جدول أعماله بنداً مهمّاً، هو المادة 23 المتعلقة بـ«عرض وزارة الدفاع الوطني مشروع المسودّة النهائية لاستراتيجية الإدارة المتكاملة للحدود في لبنان (IBM)».المشروع، عمليّاً، ليس جديداً، بل يعود إلى عام 2007، عندما قرّرت الدولة اللبنانية بضغوط من الأميركيين والغربيين ضبط المعابر الحدودية الشرعية على الحدود اللبنانية - السورية والمرافئ البحرية ومطار بيروت، بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان.
وليس خافياً، أن القرار 1701 يطلب، بشكل واضح، من الدولة «ضبط حدودها» ووقف تهريب السلاح تحديداً، لمنع وصوله إلى يد المقاومة اللبنانية، بعد أن كانت مطالب قوى 14 آذار في ذلك الوقت نشر قوات دولية على الحدود مع سوريا بحجّة ضبط التهريب.
طوال السنوات الماضية، تنقّلت مسودّة المشروع بين الوزارات وفي رئاسة الحكومة، ولدى الأجهزة الأمنية المعنية، التي وضعت بدورها ملاحظاتها عليها، قبل أن تستقرّ المسودّة النهائية في أدراج الأمانة العامة لرئاسة الحكومة في عام 2017. وفي روحيّة المسودّة، كيفية إنشاء آلية لضبط الحدود البرية والبحرية والجوية عبر إنشاء مراكز تنسيق بين الأجهزة وتحديد مَهامها وتأمين المعدّات اللازمة والأشخاص وتحديد هيكلية إدارية لهذا المشروع، بتمويل من الاتحاد الأوروبي.

يتكامل هذا المشروع مع الخطوات التي شرع الجيش في تنفيذها بدعم أميركي وبريطاني (مروان طحطح)

ومع أهمية الجزء المتعلّق بالحدود والمرافئ البحرية والجوية، إلّا أن المسودّة تُولي اهتماماً كبيراً للحدود الشرقية مع سوريا، خصوصاً أنها أنجزت في عزّ الحرب السورية، وكانت المجموعات الإرهابية تحتل جزءاً ليس بقليل من الحدود الشرقية، وتهدّد الأمن اللبناني والسوري معاً.
ويتكامل هذا المشروع مع الخطوات العملية التي شرع الجيش في تنفيذها، منذ عشر سنوات، وبدعم الأميركيين والبريطانيين، لتشكيل أفواج الحدود البرية (أربعة أفواج حدودية حتى الآن)، وأخيراً، بالفوج النموذجي المزمَع تشكيله في الجنوب، تحت عنوان تعزيز الجيش في الجنوب لضبط الأمن وتمهيداً لانسحاب قوات الطوارئ الدولية مستقبلاً.
في العناوين العريضة، تحوّلت مسألة الحدود مع سوريا خلال هذا العام إلى «قضية». كمٌّ هائل من الشائعات والتركيز الدبلوماسي والأمني الغربي على القضية، وتصويب واضحٌ من قوى سياسية، أبرزها حزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي على مسألة الحدود، بما يشبه بروباغندا منظّمة، ظهرت أسبابها أخيراً عندما حاول الأميركيون ردّ أزمة العملة الصعبة في البلاد إلى الدور السوري، لإبعاد الأسباب الحقيقية عنهم وعن المنظومة التي تحظى برعايتهم في لبنان. وفي الوقت نفسه، استغلّ فريق واسع من القوى السياسية، أزمة التهرّب الجمركي، لتحميلها إلى التهريب عبر الحدود مع سوريا، في مبالغة واضحة لتأثير هذا النوع من التهريب على التهرّب الجمركي.
السؤال اليوم: ما الذي يدفع الحكومة إلى سحب هذا الملفّ من الأدراج ووضعه على جدول الأعمال، في ظلّ الضغط الغربي على ملف الحدود؟ خصوصاً، أن نصّ المسودّة، يذكر في باب المخاطر والتحديات السياسية الفقرة التالية، كواحدة من أسباب التهديد: «وجود جماعات مسلّحة داخل لبنان قد ترغب في الحصول على الأسلحة بطريقة غير شرعية من جهات خارجية (سواء لاستخدامها في أنشطة سياسية أو جنائية) ما يشكّل خطراً كبيراً على أمن الحدود والأمن القومي».
المشروع حوّل انتقال اللبنانيين بين الهرمل وحوض العاصي إلى «خطر ملحوظ» على الأمن القومي!


فهل المطلوب منع هذه «الجماعات المسلّحة»، التي يصدف أن أبرزها المقاومة، وأنه لا حديث على ألسن الغربيين إلّا كيفية تطويقها؟
أما في باب المخاطر والتحديات الاجتماعية والاقتصادية، فترد الفقرة التالية: «تمثّل بعض القرى اللبنانية الواقعة على طول الحدود بين لبنان وسوريا، إضافةً إلى بعض القرى من الجانب السوري للحدود، التي يسكنها مواطنون لبنانيون، تحدّيات سياسية واجتماعية واقتصادية وأمنية ملحوظة. فإن عبور الحدود اللبنانية - السورية بشكل غير قانوني يطرح خطراً ملحوظاً على الأمن القومي وأمن الحدود في لبنان».
وتثير هذه الفقرة بحدّ ذاتها الكثير من التساؤلات، وأوّلها كيفية تحوّل اكثر من ثلاثين ألف لبناني يتنقّلون بشكل شبه يومي بين الهرمل وقرى حوض العاصي السورية التي يقطنونها و7 قرى لبنانية صرف داخل الأراضي السورية، إلى «خطر ملحوظ» على الأمن القومي؟ فالنص يذكر وجود تحدّيات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية في حالة هؤلاء اللبنانيين، فهل عالجت الدولة التحديات الاقتصادية والاجتماعية لهذا الجزء من المواطنين، حتى تعطي الحيّز الأمني هذه الأهمية؟

الاهتمام الرسمي بضبط الحدود، مدعوماً بالضغط الغربي، بات لا يُقيم أي وزن لخصوصية الحدود اللبنانية ــ السورية


اللافت، أن هذا الاهتمام الرسمي بضبط الحدود، مدعوماً بالضغط الغربي، بات لا يُقيم أي وزن لخصوصية الحدود اللبنانية ــ السورية، وعمق العلاقة التي تجمع السكان على طرفيها، والتي لم تنقطع منذ إعلان استقلال البلدين. وفي الوقت نفسه، تلك الدول الأوروبية ذاتها، أزالت إجراءات الحدود في ما بينها، وصار بإمكان المواطنين التنقّل في أي دولة أوروبية من دون إبراز جواز السفر، والعبور من بلد إلى بلد من دون أي إجراء رسمي شكلي حتى، فيما تفرض على لبنان وتحثّه على تطبيق سايكس - بيكو بالأمر الواقع.
وفيما لم يعرف بعد إن كان سيحصل نقاش داخل مجلس الوزراء حول المسودّة، إلا أن الاتجاه العام هو نحو إقرارها، بعد أن تمّ الأخذ بملاحظات الفرقاء السياسيين عليها، لا سيّما حزب الله، الذي يحاول جاهداً في ملفّات مماثلة عدم العرقلة، على الرغم من أنها أحياناً تصبّ بنتيجتها في اتجاهات معاكسة لمصلحته!



المركز الذي أعدّ المسودّة
مسودّة المشروع لم تعدّها الدولة اللبنانية، ولا هي مبنية على معرفة بالواقع بين لبنان وسوريا، ولا على متطلبات الأمن الحدودي التي تحدّدها الدولتان، أو على الأقل، كل منهما على حدة. بل إن مسودّة المشروع التي يدرسها مجلس الوزراء اليوم أعدّها «المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة»، وبتمويل من الاتحاد الأوروبي. هذا المركز الذي تأسّس عام 1993 من قبل سويسرا والنمسا، يضم 17 دولة (النمسا، سويسرا، هنغاريا، سلوفينيا، تشيكيا، البرتغال، السويد، بلغاريا، بولندا، كرواتيا، سلوفاكيا، رومانيا، البوسنة والهرسك، صربيا، مقدونيا، مالطا وتركيا). ويعمل هذا المركز، بحسب تعريفه عن نفسه، على تحسين ظروف الانتقال عبر الحدود والهجرة وسياسات اللجوء. واللافت في ملاحظات الوزراء اللبنانيين على المسودّة أنها ركّزت على الشكليات، من قبيل تصحيح الأخطاء اللغوية أو تسميات الوزارات والمؤسسات العامة.