ثلاثة أعوام مرّت على بدء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون، قبلها وخلالها، كان المشروع الأساسي حلّ ملف النازحين السوريين. جرى التعويل بداية على طرفين: المبادرة الروسية والأمم المتحدة، من دون أن يتمكن أي منهما من الوصول الى الخواتيم المرتجاة. ثلاثة أعوام مرت أيضاً على مناداة كل من عون ووزير الخارجية جبران باسيل بإعادة العلاقات الطبيعية مع سوريا، رفعاً للحصار الاقتصادي «الذي نفرضه على أنفسنا وحفاظاً على الفرصة الإنقاذية لاقتصادنا عبر المشاركة في إعادة الإعمار». وفي كل مرة كان الانقسام السياسي والأجندات الغربية تحبط هذه المساعي. اليوم، «دقّت ساعة العمل وانتهت مرحلة إضاعة الوقت التي تحولت الى سياسة لدى البعض»، بحسب مصادر التيار الوطني الحر. الموقف هذا ليس جديداً «ولو أن حزبَي القوات والاشتراكي يكرران عبارات الدهشة والتنديد في كل مرة، رغم معرفتهما المسبقة بضرورة التنسيق مع سوريا وعرض الموضوع في عدة جلسات حكومية، ومنها الجلسة ما قبل الأخيرة».في خضم ذلك كله، لم يكن موقف باسيل ملتبساً يوماً على ما ينقل المقرّبون منه. قبيل تشكيل الحكومة كما بعدها، تمسك الأخير بكلامه الذي ردّده أول من أمس في الحدت. بنظره، دفع لبنان ثمن الحرب في سوريا اقتصادياً واجتماعياً، من دون أي تعويض ولا التفات دولي أو إقليمي. وينبغي تالياً عدم ربط مصير اللبنانيين بمصالح أي دولة وتوقيتها لمصالحة دمشق أو انتظار ضوء أخضر منها. ينبغي وفق ما ينقل عن باسيل «عدم تفويت فرصة إعادة الإعمار». كلام وزير الخارجية كان يشمل ثلاثة مستويات:
1- ثقته بأن السعوديين والإماراتيين والأوروبيين ذاهبون حتماً الى ترطيب الأجواء مع سوريا، وفي غضون ذلك يستخدمون لبنان أو بعض السياسيين لرفع سقف التفاوض. لذلك، كان إصراره - منذ ما قبل تأليف الحكومة الحالية - على ضرورة التنسيق اللبناني السوري والمشاركة في الإعمار، من دون العودة الى أحد، وبدأ تصعيد مواقفه منذ ذلك الحين.
2- موضوع تصريف الإنتاج الذي تمت مناقشته في الجلسة الحكومية السابقة، خصوصاً بعد فتح معبر «البو كمال» وما يمكن أن يؤثر على خفض رسم مرور الشاحنات اللبنانية، وفتح أسواق العراق والأردن والخليج أمام المنتجات اللبنانية. فوفق وزير الخارجية، جزء كبير من الأزمة الاقتصادية سببها إغلاق معبري نصيب والبو كمال، والتصدير هو البوابة الرئيسية لإعادة إنعاش الوضع الاقتصادي. الى جانب ذلك، كان يمكن لبنان البحث في حاجات السوق السوري وتأمين المواد الأولية والمصنّعة له، لكن أيضاً الأجندات السياسية وقفت حائلاً دون تحقيق ذلك.
3- أيقن رئيس الجمهورية ومعه باسيل أن الالتفاف لحل أزمة النازحين لا يجدي نفعاً مثله مثل التعويل على الآخرين. فبعد سنوات من الأخذ والرد عبر الروس أو عبر موفدين لبنانيين، بات واضحاً أن الباب الرئيسي لحلّ الملف هو التواصل على المستوى السياسي، بما يسهم في عودة النازحين سريعاً. ولا يتحقق ذلك بالأعداد الضئيلة التي تذهب من لبنان سنوياً. الرقم الذي يعوّل عليه العونيون ينطلق من مليون أقله في غضون ثلاثة أشهر.
النقاط الثلاث السابقة ردّدها عون وباسيل في عدة مناسبات دولية، وعلى مسامع المسؤولين الأميركيين. لكن إعادة تكرارها يوم أمس خلال الاحتفال بذكرى 13 تشرين الأول، وبنبرة تصعيدية، صُوّر كأنه قفز فوق الإجماع الحكومي. لكن بيان رئاسة الحكومة، بحسب مصادر التيار، كتب بلغة دبلوماسية لائقة كموافقة ضمنية على مبادرة باسيل للذهاب الى سوريا إن استطاع تحقيق خرق ما. فموقف جبران موقف مدروس مع حزب الله من جهة، ورئيس الحكومة سعد الحريري من جهة أخرى، إذ بات يحرص وزير الخارجية على التنسيق مع هذين الطرفين في كل الملفات الكبيرة.
الرئيس ووزير خارجيته يتجاهلان المصلحة والرغبات الأميركية بشأن التواصل مع سوريا


ثمة من يقول هنا إن التغريد خارج الإجماع الدولي والأميركي والسعودي سينعكس سلباً على لبنان، لا سيما أن الولايات المتحدة تعاقب رئيس الجمهورية وفريقه على الوقوف الى جانب حزب الله ومساندة الرئيس السوري بشار الأسد في وجه الارهابيين منذ بداية الحرب السورية، فيما يرى العونيون أن «هذه المواقف لا تنطلق من مبدأ العداء لأحد، بل لتأمين مصلحة لبنان. فكل دولة يفترض أن تحدد خياراتها الوطنية حتى لو تناقضت مع مصلحة الآخرين. ولطالما كان موقف عون واضحاً وجريئاً ومتقدماً في الدفاع عن سيادة لبنان وخياراته ومصالحه». والحقيقة أن «الرئيس ووزير خارجيته، وفي هذا الموضوع بالذات، يتجاهلان المصلحة والرغبات الأميركية، خصوصاً أنهما على ثقة بأن المجتمع الدولي اليوم يمعن في تحطيم الاقتصاد اللبناني، ربما كنوع من العقاب على عدم الانصياع لرغباته، بعد أن اعتمد سابقاً سياسة الرشى المالية عبر مساعدات ومساهمات ما لبثت أن تلاشت». وبالتالي لا خسارة حقيقية هنا، وباسيل يشدّد على أن على الولايات المتحدة أن تحترم القرارات اللبنانية، وألا تستعمل لبنان وقوداً لحروبها الإقليمية... فإما التعامل من الندّ الى الندّ، وإلا فلا ضير في الاستمرار بمقاطعة رئيس الجمهورية والتيار ضمنياً واستعمال كل الأساليب لإفشال العهد وحصاره، من باب الضغط عليه لتغيير موقفه المبدئي: «متعودون ألا نركع حتى لو وقف كل العالم ضدنا».