مذ باشرت مهماتها، يومياً تقريباً، بعد تأليفها في 23 ايلول المنصرم، تتصرّف اللجنة الوزارية للاصلاحات المالية كأنها منفصلة تماماً عن مشروع قانون موازنة 2020. أُبطئت سرعتها بإزاء استعجال اقرار الموازنة في مجلس الوزراء واحالتها الى مجلس النواب في مطلع العقد العادي الثاني منتصف هذا الشهر. في مجمل مداولات المجلس، كما في اللجنة، لا مهمة عاجلة سوى هذه الاحالة في المهلة الدستورية، ما يجعل الجلسات المتتالية للجنة الوزارية عرضة للمماطلة، دونما التوصل الى نتائج جدية في المدة القياسية التي يقتضي توليها. هذا الاسبوع قد تجتمع مرتين، ويجتمع مجلس الوزراء ثلاث مرات ربما.بيد ان بعض الوزراء يبدو قليل الايمان باحترام المهل، وقليل الاوهام بتوقع الكثير المجدي والملحّ في الموازنة الجديدة. الا انه ايضاً كثير الواقعية، اذ لا يخفي قلقه من الوصول الى «اللحظة المشؤومة»: توقف الدولة عن تسديد معاشات موظفيها، آخر خطوات الانهيار المؤجل.
لا يقصّر هؤلاء في القول ان مجلس النواب مقبل على تسلم موازنة ليست اسوأ من التي سبقتها قبل ثلاثة اشهر فحسب، بل نسخة مشّوهة عنها بعدما تشفّعت بموازنة 2019 وعودها بادماج اصلاحات اقتصادية ومالية بنيوية في تلك التي ستليها.
تبعاً للمطلعين عن قرب على مداولات اللجنة، فإن وجهتي نظر متناقضتين تتجاذبانها:
اولى، تحصر اهتمامها بمشروع الموازنة واقرارها في مجلس الوزراء في اسرع وقت، دونما اي تعديلات على الصيغة التي احالها اليه وزير المال علي حسن خليل. يقول اصحاب هذا الرأي ان التزام المهلة الدستورية للاحالة الى البرلمان هو الانجاز الفعلي لموازنة ينتظرها مؤتمر سيدر من الحكومة اللبنانية. يعتقد هؤلاء ايضاً بأن الاقرار العاجل للموازنة تتطلبه وكالات التصنيف الدولية، ما يوجب مقاربة موازنة 2020 على انها استحقاق في ذاته، يكتفي بأرقام النفقات والواردات. في ما يقوله وزير المال في جلسات مجلس الوزراء ولجنة الاصلاحات انه لا يريد المبالغة في ارقام الواردات، ويفضّل اعتماد ارقام واقعية. وفق ما سمعه منه زملاؤه الوزراء خفّض عجز الكهرباء من 2500 مليار ليرة الى 1500 مليار في موازنة 2020 - وهو ما رفضته وزير الطاقة ندى البستاني في مجلس الوزراء وطالبت بحد اقصى هو 2200 مليار - من غير اقتران هذا الخفض بتعزيز الواردات وتحسين التغذية وتنفيذ خطة الكهرباء الذي لا يزال معلقاً.
وجهتا نظر متناقضتان في لجنة الاصلاحات تجعلان الاصلاحات مؤجلة (هيثم الموسوي)

اما وجهة النظر الاخرى المعاكسة، فتريد ادراج الاصلاحات الاقتصادية والمالية في صلب ما يتطلبه مؤتمر سيدر ووكالات التصنيف، ما يقتضي عجلة من نوع آخر هو توصل اللجنة الى اصلاحات تدمج في موازنة 2020، واخرى تصدر بقوانين عن مجلس النواب لاحقاً من شأن تطبيقها التأثير المباشر في ارقام الموازنة لتمويلها وخفض عجزها. يلاحظ اصحاب هذا الرأي ان الخلل الكامن في الموازنة الجديدة هو في ارقامها التي تتحدث الآن عن عجز اكبر من ذاك الذي انتهت اليه موازنة 2019 وقُدّر بـ7,59%، ما يرجح ارباك الاكتتاب بملياري دولار لليوروبند المقرر الشهر المقبل. في معرض دفاع هؤلاء عن وجهة نظرهم، يقولون ان موازنة بلا اصلاحات من شأنها احجام المستثمرين الكبار عن الاكتتاب، ناهيك بما هو ادهى في غياب نجاح هذا الاكتتاب: وصول وزارة المال الى توقفها عن تأمين السيولة لتغذية الجيش والاسلاك العسكرية الاخرى وتسديد مستحقات المستشفيات الخاصة من غير اهمال فوائد ديونها لدى المصارف. في بعض مآخذهم ايضاً أن موازنة 2020 ادرجت صفر ايرادات في الاملاك البحرية بذريعة ضرورة اجراء إعادة النظر في الرسوم المفروضة عليها. ليس الامر اقل تأثيراً في ارقام وزارة الاتصالات اذ تحدثت عن تراجع تحويلاتها الى الموازنة بما يوازي 300 مليار ليرة، من دون ان تكون وارداتها كذلك. على ان هؤلاء يقللون من مسحة التشاؤم، اذ يفصحون عن تفاهم اعضاء اللجنة على صيغ شبه نهاية لبضعة اصلاحات تتعلق بالجمارك واعادة النظر في نظام التقاعد والمشتريات العمومية، تأمل في تبنيها في مجلس الوزراء قريباً.
على نحو كهذا تتزايد الانتقادات داخل لجنة الاصلاحات. لا احد يريد الخروج منها، الا ان احداً لا يريد اضفاء الجدية على عملها. بذلك لا تنفصل مناقشاتها عن تلك الدائرة في مجلس الوزراء المسكونة بهاجس وحيد هو اقرار الموازنة قبل منتصف هذا الشهر، من غير ان يكون الامر مؤكداً تماماً، لكن ايضاً من غير اتمام مهمة لجنة الاصلاحات على نحو ما رامه قرار انشائها. في كل مرة مرة يناقش مجلس الوزراء بنداً في الموازنة ويُطرح اقتراح اصلاحي يُجبه بموقف شبه متفق عليه من غالبية الوزراء، هو احالة الاقتراح الى لجنة الاصلاحات كي لا يتسبّب في تأخير اقرار الموازنة.
وزراء يتوقعون موازنة 2020 نسخة مشوّهة عن موازنة 2019


لا يقتصر الخلاف في لجنة الاصلاحات على الفصل بين برنامجها والموازنة، بل يرتبط مباشرة بايلاء الموازنة اهمية مستقلة على ان تكون الاصلاحات في مرحلة تالية ليست عاجلة فحسب، بل من الضروري عند فريق من الوزراء ابطاء سرعتها تفادياً للدخول في محظور المكتسبات المحرّمة التي يفترض اي اصلاح جدي الخوض فيها، وانتزاعها من المرجعيات السياسية الكبرى التي تعدّها امتيازات قاربت، على مرّ العقد الاخير، منذ اتفاق الدوحة في احسن الاحوال، ان تمسي تاريخية ومطوّبة حتى، شأن الحديث عن الاملاك البحرية والنهرية والجمارك والاتصالات والكهرباء والمرافق الرئيسية الموزّعة على المرجعيات تلك. اضف التوظيف غير القانوني لعشرات آلاف من الاشخاص على صلة بالمرجعيات السياسية الكبرى التي قايضت بهم انتخابات 2018. ما ان يُطرح في لجنة الاصلاحات اقتراح بإيجاد حل لهذا البند نظراً الى تداعياته المالية الكبيرة على الخزينة، يسارع معظم الوزراء الى اطفاء الحديث عنه من غير مناقشته حتى.
لا تكمن المشكلة في ارقام الموازنة ولا في اقتراحات الاصلاحات فقط. تقيم كذلك في ازمات سياسية تلاحقت ما بين التصويت على موازنة 2019 في مجلس النواب في تموز وبين مباشرة مجلس الوزراء مناقشة موازنة 2020 في ايلول: ثلاثة اشهر من نزاعات سياسية اوشكت ان تسقط البلد في صراعات مذهبية، بدءاً بالخطاب الحاد للوزير جبران باسيل متنقلاً بين المناطق، مروراً بحادثة قبرشمون وتالياً نشوء نزاع سياسي مسيحي ـ درزي تحوّل الى اشتباك دموي درزي ـ درزي حال دون التئام الحكومة اكثر من شهر، هي ثلث المهلة الكفيلة بانجاز موازنة 2020 واصلاحاتها.