تنزلِق البلاد بصورة مباغتة نحو المزيد من التوتر. وبعد التوتر الذي أنتجته أزمة «شحّ الدولار»، افتُتِحت جبهة جديدة على محور التيار الوطني الحر ــــ تيار المستقبل، كما جبهة أخرى بين القوات اللبنانية وباقي مكونات مجلس الوزراء. على الجبهة الأولى، قرر تيار المستقبل أمس إلغاء الندوة التي كان مقرراً أن تقام في قصر القنطاري، ليتحاور فيها رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل مع كوادر التيار الأزرق. وقد قرر التياران تلك الندوة لكسر الجليد بين باسيل وكوادر المستقبل. وأتى قرار الإلغاء «رداً على التصريحات التي دأب عليها بعض نواب التيار الوطني الحر وكوادره، ورداً على المطالبة بإلغائها من قبل كوادر المستقبل». هكذا برّر المستقبليون إلغاء الندوة، لافتين تحديداً إلى تغريدة النائب زياد أسود التي ذكر فيها عبارة «مثلّث اللعنات» في سياق فهم منه التيار الأرزق أنه يعني بها الرئيس الراحل رفيق الحريري. الواضح أن «القلوب المليانة» بين الطرفين فاضت، وعادت العلاقة بينهما لتشبه ما كانت عليه زمن صدور كتاب «الإبراء المستحيل» الذي نشره تكتل «التغيير والإصلاح» وانتقد فيه سياسات «المستقبل» الاقتصادية، محمّلاً إياه مسؤولية الدين العام والفساد. تحاول مصادر الطرفين نفي وجود مشكلة جوهرية، معتبرة أن التصريحات التي تصدر عن النواب والكوادر، آخرها للنائب اسود والمنسق العام لـ«المستقبل» في صيدا والجنوب ناصر حمود، «فشّة خلق». ورأت أن «لا شيء يستدعي الاشتباك». غيرَ أن مصادر مطلعة أكدت أن الخلاف بدأ في الأساس مع «زيارة الحريري لباريس ولقائه الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي عبّر عن استيائه من إدارة الدولة، سياسياً ومالياً، وعدم المبادرة إلى الإصلاح وخفض العجز، وإدارة خطة الكهرباء ــــ الأساسية في سياق خفض العجز ــــ خارج برنامج مؤتمر «سيدر»». وبحسب مصادر معنية، فإن الحريري لفت إلى أن فريق رئيس الجمهورية الذي يتولى إدارة ملف الكهرباء لا يريد أن يقدم أي تسهيلات. وطلب رئيس الحكومة، بحسب ما ورد إلى العونيين، من ماكرون، التحدث مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حين يلتقيه في نيويورك بشأن الإصلاحات المطلوبة. وأكدت المصادر أن «هذا الملف طرح خلال لقاء الرئيسين في نيويورك، وأن عون غضب ولا سيما أنه علِم بكلام الحريري، فرّد بكلام قاس متهماً رئيس الحكومة بأنه كسول ولا يعمل». وأضافت المصادر إن «التوتر مرتبط أيضاً بما حصل بين الحريري ونواب التيار الوطني الحر خلال الجلسة التشريعية الأخيرة، بعدما أوعز الوزير جبران باسيل من الخارج الى نواب تكتل لبنان القوي من أجل عدم السماح لرئيس الحكومة بسحب أي مشروع تقدموا به، وقد زاد من غضبهم وقوف الرئيس نبيه بري الى جانب الحريري، لذا بدأ الحديث عن مؤامرة لاستهداف العهد».
القوات تهدد بمقاطعة اللجنة الوزارية المكلفة دراسة «الإصلاحات»

من جهة أخرى، قررت القوات اللبنانية تصعيد الضغط على الحريري من خلال تهديدها بمقاطعة جلسات اللجنة الوزارية المكلفة دراسة المقترحات الاقتصادية والمالية التي يسمّيها مقدّموها بـ«الإصلاحية»، علماً بأن نائب رئيس مجلس الوزراء غسان حاصباني سبق أن أبلغ زملاءه بأن القوات تشارك في اللجنة للمراقبة لا بهدف المشاركة في النقاش. وقال حاصباني أمس إن القوات لن توافق على الموازنة «قبل إقرار الإصلاحات» التي يمكن تلخيصها بالخصخصة وخفض كلفة القطاع العام. وعلمت «الأخبار» أن اللجنة رفضت أمس مقترحاً تقدّم به وزير الاقتصاد منصور بطيش لفرض ضريبة القيمة المضافة، بنسبة 1 في المئة، على السلع غير المشمولة بتلك الضريبة، وهي السلع التي تُعد أساسية. وقال بطيش إن هذا الاقتراح لا يهدف إلى تحقيق إيرادات كبيرة بصورة مباشرة كونها لن تتجاوز الـ 140 مليار ليرة، لكنها تساهم في خفض نسبة التهرب الجمركي. لكن وزراء حزب الله وحركة أمل والمردة رفضوا مقترح بطيش، لأن «السماح بفرض الـ tva على السلع الأساسية ولو بنسبة 1 في المئة سيفتح باب زيادتها لاحقاً». كذلك رفض الفريق نفسه اقتراح وزير الصناعة وائل أبو فاعور فرض ضريبة على الأدوية المستوردة، رغم قوله إن سعر الدواء تحدده الوزارة بموجب آلية تمنع تحميل الضريبة للمستهلك. إلا أن معارضي مقترح أبو فاعور أسقطوه «خشية أن تتمكّن شركات الأدوية من تحميل الضريبة للمستهلك».