كما في كل جولة من محاولات تنظيم قطاع المقالع والكسارات، أمعن مجلس الوزراء، أول من أمس، في زيادة الاستثناءات والمهل والمواقع، وفي تعديل المرسوم التنظيمي باتجاهات لا تصبّ في مصلحة الطبيعة ولا الخزينة تماماً.وأضاف مجلس الوزراء على التعديلات المقترحة التي نشرتها «الأخبار» (17/9/2019) المتعلقة ببدعة «الاستثمار التأهيلي» للمواقع المشوّهة، المرخصة وغير المرخصة، وعلى مهلة السنة والنصف التي تنتهي في 21/3/2021، فقرة «قابلة للتجديد مهلة ستة أشهر إضافية»، لتصبح المهلة سنتين بدل سنة ونصف سنة.
كما عدل في اقتراح فتح باب استيراد الرمل والبحص والمواد لزوم صناعة الترابة من الخارج من دون رسوم جمركية باستثنائه «الكلينكر»، وهي المادة التي كان مقترحاً السماح باستيرادها خصوصاً، لتوفير طحن الجبال وتشغيل المقالع التي دمرت مناطق بأكملها، لا سيما في منطقة شكا، مع العلم بأن لبنان يصدّر هذه المادة، وكان مطلب وقف تصدير هذه المادة مطلباً للبيئيين المعترضين على عمل هذه الشركات منذ مدة طويلة!
كذلك أضيفت فقرة الى التعديلات، تسمح لشركات الترابة، بصورة استثنائية، ولفترة أقصاها ثلاثة أشهر، باستخدام كساراتها لتكسير الستوكات الموجودة في مواقعها، ما يعني إعادة السماح بالعمل بشكل أو بآخر. كما طلب من أصحاب المقالع القائمة والواقعة خارج المواقع المحددة في الخريطة المرفقة بالمرسوم التقدم بطلبات من خلال المحافظين لنقلها خلال مهلة شهر.
تأجيل مجلس الوزراء المصادقة على خريطة المواقع (ما يسمى المخطط التوجيهي) وتكليف اللجنة الوزارية الاتفاق عليها لتصبح نافذة كان مستغرباً! إذ لم تضف التعديلات على خريطة المواقع شيئاً مهماً، طالما أن «الاستثناءات»، سواء لما يسمى «المشاريع الكبرى» أو للمقالع المرتبطة بشركات الترابة، وهي الأكبر، بقيت خارج المخطط، وأعطيت مهلاً إدارية جديدة لكل المواقع تقريباً، لمدة سنتين إضافيتين! وها نحن نعود مجدداً الى بدع «المهل»، وإن كان هذه المرة تحت حجة قديمة ــ جديدة هي «الاستثمار التأهيلي»، أي استمرار الأعمال بحجة إعادة تأهيل المواقع. ومرة جديدة الى قاعدة التمديد أولاً، بدل التخطيط، وبدل الانطلاق من دراسة استراتيجية تحدد المعطيات والمعلومات المرجعية بدقة، والحاجات الحقيقية والرؤية المطلوبة.
الدراسات الأولية غير الرسمية التي أرفقت بمشروع تعديل المرسوم أظهرت أن المقالع والمرامل والكسارات في المناطق كافة يبلغ مجموعها 1330موقعاً (بعلبك والهرمل 713، جبل لبنان 237، الجنوب والنبطية 222، الشمال وعكار 158)، وأن موقعاً واحداً بينها فقط مرخص وفق أحكام المرسوم 8803/2002! وهذا، في حد ذاته، فضيحة مدوية طالما تم التغاضي عنها، مع ما ترتبه من تشويه بلغ حجم مساحته ــ بحسب الدراسات الاولية غير الرسمية ايضاً ــ ما يقارب 52,6 كلم2، فيما أهدرت المهل المتمادية وعدم التنظيم على الخزينة عائدات تتجاوز 6 مليارات دولار، بحسب دراسة حزب البيئة عام 2010! لذا، فإن السؤال الأخطر: الى أين ذهبت وتذهب هذه الأموال المنهوبة ومن سيقاضي كل هؤلاء؟ ولماذا تأخرت حتى الآن هذه المحاسبة؟ والى متى سيتم تأجيلها في وقت بدأنا فيه بموجة استدانة كبيرة مع سلة ضرائبية جديدة على الناس، لن تؤمن نصف عائدات هذا القطاع الضائعة في جيوب كبار المستثمرين!
واذ تقدر آخر دراسة للامم المتحدة (2018) متوسط الكلفة السنوية للتدهور البيئي الناتج عن هذا القطاع ما يقارب 610 ملايين دولار سنوياً، أي حوالى 1,1% من الناتج المحلي العام، يصبح السؤال الاضافي الموجّه الى الوزراء الذين أقرّوا أمس التعديلات على المرسوم والاستثناءات، خصوصاً لشركات الترابة التي باتت تعتبر مقدسة وأكبر «محمية» في لبنان: ما الذي يفسّر أن يكون سعر الطن في لبنان بين 82 و120دولاراً، مقابل 50 دولاراً لطن التصدير!؟ ومن يحمي هذا القطاع ولمصلحة من؟ وعلى حساب من؟
لعل «الإنجاز» الوحيد الذي يمكن أن يسجل لهذه الحكومة بعد إقرار التعديلات على مرسوم تنظيم هذا القطاع، أمس، أن «طبخة البحص» التي وضعتها على نار حامية طيلة أكثر من ثلاثة أشهر، بعد أخذ ورد بين الكتل في اللجنة الوزارية المعنية… لم تحترق، لا بل تم تقاسمها، كل بحسب استثماراته وشراكاته، وإن من لم يأكل تحاشياً لعدم تكسير أضراسه كان الخاسر الثالث بعد الطبيعة والخزينة.