عملياً، إذا نجح الوزير في تفادي السيّد هذه المرة، فماذا سيفعل في الجلسات المقبلة؟ وماذا سيفعل إذا شُكّلت لجنة التحقيق البرلمانية، وكان السيد من بين أعضائها، أو حتى رئيسها، في ظل توقعات بأن يترشّح لرئاستها، خاصة أنه كان أول من طالب بتشكيلها؟ للمناسبة، فإن تشكيل لجنة التحقيق لكي يتحقق، يحتاج إلى سلسلة إجراءات تبدأ بتقديم الطلب إلى رئيس المجلس النيابي، الذي يفترض أن يعرضه على الهيئة العامة للحصول على موافقتها، بأكثرية النصف زائداً واحداً، على أن يلي ذلك التصويت على تعيين رئيسها وأعضائها. بعد ذلك، تنطلق اللجنة في عملها، بوصفها لجنة تحقيق كاملة الصلاحيات، لها أن تستعين بمن تشاء لإتمام عملها، ولها أن تستدعي من تشاء للتحقيق معه.
هل يؤكد «المستقبل» تورّط وزرائه بعدم التوقيع على طلب تشكيل اللجنة؟
الخطوة الأولى لن تتأخر. فطلب لجنة التحقيق صار شبه جاهز لتسجيله في قلم المجلس النيابي، ومن ثم تسليمه إلى الرئيس نبيه بري. ليس مستبعداً عندها أن يطرح رئيس المجلس الطلب على التصويت في أول جلسة تعقدها الهيئة العامة. بحسب النظام الداخلي لمجلس النواب (المادة 139)، «للمجلس أن يقرر إجراء تحقيق برلماني في موضوع معين بناء على اقتراح مقدم إليه للمناقشة». وهنا لا ينص النظام على عدد النواب المطلوب لتقديم الطلب. لكن، بحسب رئيس اللجنة، فإنه بعد إنجاز الطلب يتم العمل على الحصول على تواقيع مروحة واسعة من الكتل. وعلمت «الأخبار» في هذا الصدد أنه حتى يوم أمس كان الطلب قد وُقّع من نواب ينتمون إلى: حزب الله، أمل، التيار الوطني الحر، المردة، السنّة المستقلين، كتلة الرئيس نجيب ميقاتي، إضافة إلى النواب المستقلين، ومنهم السيد وفؤاد مخزومي، مع توقعات بانضمام بولا يعقوبيان إليهم. كذلك، يُتوقع أن توقّع كتل القوات والاشتراكي والكتائب، بعدما أعلن عدد من أعضائها أنهم لا يمانعون ذلك، لكنهم يفضّلون انتظار القرار الحزبي. إذا ما وقّع هؤلاء، فإن المستقبل سيكون وحيداً خارج الإجماع، كما لو أنه يعلن سلفاً أنه مذنب أو أن وزراءه مذنبون. ولذلك، سمع بعض نواب الكتلة نصائح بالتوقيع على طلب تشكيل اللجنة، أولاً لأن اللجنة ليست محكمة، بل لجنة تحقيق ترفع تقريراً بنتيجة أعمالها إلى الهيئة العامة (المادة 140 من النظام الداخلي)، وثانياً لأن الطلب يشمل التحقيق في ملف الخلوي في كل الفترة الماضية، وليس في فترة تولي وزراء المستقبل فقط. وها هو التيار الوطني الحر قد وقّع على الطلب، بالرغم من أن وزراء من تكتله قد تسلموا الوزارة.
كل الأموال التي صرفتها شركتا الخلوي ستكون قيد التحقيق
في مطلق الأحوال، يُتوقع أن تنجز اليوم مسألة التواقيع، على أن يليها تقديم الطلب إلى رئاسة المجلس قريباً. وقد شهدت هذه العملية بعض التأخير بسبب اقتراح عدد من النواب إجراء تعديلات في الصياغة. وبعدما كان قد وقّع ثمانية نواب على النسخة الأولى، استكملت التواقيع أمس، بعد إجراء تعديلات طفيفة على النص، إذ اقتصرت هذه التعديلات على إزالة اسم الوزير محمد شقير من العبارة التي تشير إلى دور الوزراء المتعاقبين وآخرهم الوزير الحالي محمد شقير في مخالفة شروط عقد الخلوي، انطلاقاً من أن لا داعي لذكر الأسماء، أو بإضافة عبارة «شبهة» مخالفات دستورية وقانونية ومالية جسيمة، بدلاً من الاكتفاء بالإشارة إلى أنه يتبين وجود مخالفات...
بالنتيجة، فإن الطلب الذي أعدّ بعنوان «اقتراح جلسة مناقشة التجاوزات الدستورية والقانونية والمالية المرتكبة من قبل الشركات المشغّلة لقطاع الخلوي، ولا سيما الوزراء المتعاقبون تمهيداً لإقرار تحقيق برلماني»، يشير في بناءاته إلى أنه نتيجة الجلسات التي عقدتها لجنة الاتصالات بشأن الموضوع، تبيّن أن شركتي الخلوي خالفتا، بصورة فاضحة، شروط العقد بموافقة من الوزراء المتعاقبين.
محمد شقير يهرب من جميل السيّد
وعليه، يشير الطلب إلى أنه نظراً إلى كون «معظم الجرائم والمخالفات لم تشملها أي تحقيقات وإجراءات قضائية بعد حصولها رغم معرفة النيابات العامة بها، ولأنه من صلب الدور الدستوري والرقابي للمجلس النيابي أن يراقب ويحاسب في مجالات مخالفة الدستور والقوانين في إدارة المال العام، ولا سيما تلك التي يرتكبها الوزراء والإدارات والمؤسسات التابعة لهم أو الخاضعة لوصايتهم، ونظراً إلى أهمية وخطورة هذا الوضع وتأثيره على الدولة والمواطن لجهة إهدار المال العام، فقد جئنا بهذا الطلب متمنين على دولتكم طرح الاقتراح للمناقشة في جلسة مخصصة لهذه الغاية، ليتقرر على ضوئها إجراء تحقيق لبرلماني وتشكيل لجنة لهذا الغرض».
«تلك خطوة قد توقف المسار الانحداري الذي يشهده القطاع، لكن المشكلة أننا في لبنان»، يقول نائب موقّع على الطلب. مع ذلك يجزم بـ«أننا لن نتراجع وسنبقى نواجه ونعمل ما يمكننا فعله، آملين أن لا يحمي الواقع الطائفي والسياسي المرتكبين، فنكون، كالعادة، أمام فساد بلا فاسدين».