في الجلسة ما قبل الأخيرة لمجلس الوزراء، كان ثمة بند مؤجل من جلسة عقدت في حزيران الماضي. البند الذي حمل الرقم 23 في جدول الأعمال، تضمّن طلب مجلس الإنماء والإعمار «إعادة النظر بقرار مجلس الوزراء رقم 26 المتعلّق بالموافقة على قبول هبة عينية مقدّمة لصالح وزارة الثقافة من شركة سوليدير، والمتمثلة بالعقار رقم 1500/ المرفأ لإنشاء متحف تاريخ مدينة بيروت».لم يكن واضحاً سبب الصحوة المتأخرة لـ«الإنماء والإعمار» على قرار صادر قبل عامين وشهرين (21 حزيران 2017)، علماً بأن الاتفاقية بين الدولة و«سوليدير» أُقرّت بعلم المجلس، كونه ووزارة الثقافة كانا «ممثلي» الدولة يومذاك.
يفضّل المعنيون في المجلس «النطّ» فوق التوقيت، إذ إنه «مجرّد تفصيل». بحسب مصادر في المجلس ثمة «خطأ» يبدأ بالاسم الذي أطلق على نص الاتفاقية ولا ينتهي بمحاولة «سوليدير» «انتحال صفة المالك» للعقار. إذ إن «العقار 1500/المرفأ هو أصلاً domaine public (مجال عام) وليس ملكاً لسوليدير، انطلاقاً من أن المخطط التفصيلي لمنطقة وسط بيروت يبرز أن العقار هو جزء من فضلة أملاك عامة، لذلك لا يمكن لشركة سوليدير أن تهب ما لا تملكه».
مع ذلك، لم يطلب «الإنماء والإعمار» مجرّد تصحيح «التسمية» التي تتحدث عن العقار كـ«هبة عينية» من «سوليدير» لصالح الدولة. المطلوب، بحسب المصادر، «تصحيح المسار». فالعقار «يقع ضمن نطاق بلدية بيروت، والخطأ أن يكون في الدوائر العقارية باسم سوليدير، ولذلك يفترض بهذه الأخيرة أن تنقل الملكية إلى البلدية، على أن تقوم الأخيرة بعقد تخصيص مع وزارة الثقافة لاستثمار العقار لإنشاء المتحف».
نسب العقار الى البلدية يتيح لها التدخل لاحقاً في إدارة متحف تاريخ بيروت


إذاً، المطلوب أن تنتقل الملكية، في الإفادة العقارية، من سوليدير إلى بلدية بيروت إلى عقد تخصيص مع الدولة. وهذا ما يطرح تساؤلات حول هذه «النقلة»، إذ إن المخطط التفصيلي المصدق للمنطقة يلحظ أن العقار من ضمن الأملاك العمومية، وقد «أسقطته» لصالح الملك العام، أي للدولة التي هي صاحبة هذا الملك. لكن ما يطلبه الإنماء والإعمار أن تسقطه… لصالح بلدية بيروت! فلماذا؟
بحسب مصدر في المديرية العامة للآثار، صاحبة الاختصاص، هذا العقار مدرج على لائحة الجرد العام للأبنية الأثرية (منطقة التل الأثري في بيروت)، سنداً للقرار 71 الصادر عن وزير الثقافة غابي ليّون عام 2012. يوضح المصدر أن «تصحيح المسار» لا غاية منه سوى «إدخال بلدية بيروت شريكاً»، على اعتبار أن البلدية تخصّص الوزارة بهذا العقار لتستثمره في بناء متحف تاريخ مدينة بيروت. وعقد التخصيص «دونه تبعات، إذ إنه لا يعفي من تدخل من كان يملك العقار، وهنا الإشكالية». وحيث إن بلدية بيروت قد تطلب لاحقاً، على سبيل المثال، التدخل في إدارة المتحف باعتبار أنها مالكة الأرض أساساً، أو قد تطالب بحصّة من العائدات».
بغض النظر عمن يملك العقار، ما يهمّ هنا، بحسب مصادر المديرية العامة، هو «الوصول إلى روما، أياً كانت الطريق التي ستوصلنا إليها». مع ذلك، ثمة خصوصيات لا يمكن تفاديها، وهي أن متحف تاريخ مدينة بيروت المنوي إنشاؤه، هو «متحف وطني، كما أن العقار المعني يحوي آثاراً، ما يعني أن المديرية العامة للآثار هي صاحبة المسؤولية أولاً وأخيراً».