رغم الضغوط الأميركية والإسرائيلية، أقر مجلس الأمن الدولي أمس تمديد مهمة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (اليونيفيل) في الجنوب. مرة جديدة، يُكتب للعدو الإسرائيلي وأصدقاؤه في واشنطن الفشل، بعدَ محاولات عديدة هدفت الى تعديل مهمات هذه القوات أو تغيير أدائها ليتوافق تماماً مع المصلحة الإسرائيلية.سبقت هذا التمديد مطالبة اللوبي الأميركي ــــ الصهيوني داخل الولايات المتحدة الأميركية بوقف تمويل الأخيرة للقوات الدولية، بذريعة «فشلها التام في القيام بأي دور من شأنه تعزيز الأمن والسلام على الحدود» بين لبنان وفلسطين المحتلة. وبدا واضحاً مستوى الضغط في الكلمة النارية التي ألقاها في تموز الماضي مندوب العدو في الأمم المتحدة داني دانون، خلال جلسة مناقشة تقرير الأمين العام في مجلس الأمن في نيويورك، واتهام المقاومة باستخدام مطار ومرفأ بيروت لنقل السلاح.

أراد الأميركيون خفض عديد القوات الدولية إلى 9 آلاف جندي (هيثم الموسوي)

لكن هذا التوجه جوبِه بمعارضة الدول الأوروبية الممثّلة بقوات كبيرة في اليونيفيل، ولا سيّما فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا التي يخدم جنودها في القطع البحرية. هذه الدول تخوض الجدل مع الأميركيين كل عام، بسبب مصلحتها في الحفاظ على الوضع القائم في الجنوب.
وبعدَ الاعتداء الإسرائيلي الأخير على الضاحية الجنوبية لبيروت (الأحد الماضي) وحالة القلق التي يعيشها العدو على الحدود الجنوبية والحذر الذي يسود في منطقة جنوبي الليطاني بانتظار ردّ المقاومة، حاولت إسرائيل استغلال الظروف السائدة وسط «انقسام حاد داخل الإدارة الأميركية من جهة، ومع الكونغرس من جهة أخرى، حول جدوى استمرار المساعدات الدولية، على أنواعها، وضرورة وقفها، واستمرار الضغط من قِبل المطالبين بوقف التمويل للقوات الأممية» وفقَ ما أكدت مصادر دبلوماسية لـ«الأخبار». وأضافت المصادر إن «ترامب وأصدقاء إسرائيل في واشنطن مقتنعون بأن لا حاجة إلى قوات يونيفيل بهذا الحجم، وإن على الولايات المتحدة تخفيض مساهمتها في كل العالم، ومن ضمنها اليونيفيل في الجنوب والتي تسجل واشنطن ملاحظات كبيرة على أدائها ودورها، ولا سيما أن الجيش اللبناني لا يتجاوب معها ولا يلتزم القيام بدوره وفقَ ما ينص عليه القرار 1701». وسط ترويج أصدقاء إسرائيل أن «إحدى نقاط الضعف تكمن في عدم قدرة اليونيفيل على الدخول الى أي موقع في الجنوب من دون التنسيق مع الجيش اللبناني الذي تعتبره إسرائيل خاضعاً في قراره لحزب الله».
وفيما أصرت فرنسا على «إبقاء قوات اليونيفيل والتجديد لمهماتها كما هي، مع الأخذ في الاعتبار الملاحظات الأميركية وتبليغها الى الدولة اللبنانية بهدف زيادة التنسيق كي تكون هذه المهمات أكثر فعالية»، تبنى المجلس بالإجماع مشروع قرار أعدته فرنسا، حضّ فيه «جميع الأطراف على عدم توفير أي جهد للحفاظ على السلام والتزام أقصى حد من الهدوء وضبط النفس والامتناع عن أي عمل أو خطاب من شأنه تقويض وقف الأعمال القتالية أو زعزعة استقرار المنطقة». ونزولاً عند رغبة الأميركيين، طلب القرار من الأمين العام للأمم المتحدة «إجراء تقييم لمهمة اليونيفيل وعديدها قبل شهر حزيران المقبل»، لكنه لم يمرر طلبها بتخفيض عديد الجنود الى تسعة آلاف، علماً بأن العدد المنصوص عليه في القرار 1701 هو 15 ألف جندي. كذلك، طالب القرار، بناءً على طلب واشنطن، بأن يتاح للقوة الأممية الوصول «الى كامل الخط الأزرق»، فيما كان لافتاً تنديد القرار بكل الانتهاكات على الخط الأزرق.
ترى الدول المشاركة في «اليونيفيل» أنّ أيّ تعديل سيُضرّ بمصالحها


وكانت فرنسا وباقي الدول المشاركة في «اليونيفيل» طوال الأشهر الماضية تتعرض لتهديد أميركي بوقف التمويل أو تقليصه، ما دفعها الى إيجاد مخرج شكلي يحفظ مهمات اليونيفيل ويرضي في الوقت ذاته أميركا.
الضغط الأميركي ــــ الإسرائيلي أكدته صحيفة «نيويورك تايمز» أمس، والتي أفادت بأن «الولايات المتحدة تطلب أن يشدد أفراد حفظ السلام تحقيقاتهم في تهديدات حزب الله، ويتحققوا من أن الحزب لا ينتهك حظر التسلح الأممي، كما تريد إدارة الرئيس ترامب وإسرائيل من بعثة حفظ السلام تقديم مزيد من المعلومات حول عملياتها»، لافتة إلى أنه «يتعين على البعثة الأممية بحث وإجراء مراجعات تعزز نجاحها أو تقر بإخفاقاتها، بما في ذلك مواجهة الخطر الذي تشكله إعادة التسلح العدواني لحزب الله وتسليم المسؤولية عن حماية لبنان إلى القوات الحكومية». تقرير الصحيفة الأميركية سبقه فيديو نشرته قناة «فوكس نيوز» الأميركية يعود ليوم 4 آب من عام 2018 ويظهر تعرض آليات تابعة لقوات اليونيفيل العاملة في جنوب لبنان لـ«اعتداء» بالعصيّ والحجارة في بلدة مجدل زون الجنوبية، في إطار الحملة الإعلامية الهادفة إلى حشد رأي عام حول صانع القرار الأميركي. وقد سبق أن وزع الفيديو على مندوبي الدول وعُرض خلال تقديم الأمين العام للأمم المتحدة تقريره.
من جهتها، أعلنت وزارة الخارجية اللبنانية أنه «بعد محادثات طويلة ومفاوضات شاقة امتدت على مدى الأسابيع الماضية، وبجهود استثنائية لبعثة لبنان الدائمة في نيويورك، اعتمد مجلس الأمن بالإجماع قراراً يقضي بالتجديد لقوات اليونيفيل لمدة سنة، وقد جاء التمديد من دون المسّ بولاية اليونيفيل، ومع المحافظة على عدد عناصرها تمكيناً لها من القيام بواجباتها على أكمل وجه. كما أن القرار أدان لأول مرة الانتهاكات الإسرائيلية للسيادة اللبنانية الجوية والبرية».