رغم تسارع التطورات المالية والعسكرية في لبنان، لم تشهد السوق أي تداعيات سلبية، باستثناء ما يتعلق بشحّ الدولارات لدى الصرافين وارتفاع سعر الصرف إلى أكثر من 1540 ليرة مقابل الدولار. فمنذ يوم الجمعة الماضي، مع خفض «فيتش» التصنيف السيادي ليصبح لبنان مصنّفاً من وكالتين («فيتش» و«موديز») ضمن درجة (CCC) التي تعبّر عن «احتمال التعثّر»، لم تشهد السندات اللبنانية بالعملات الأجنبية والمتداولة في الأسواق الدولية أي ردود أفعال سلبية ناتجة من خفض التصنيف أو متصلة بالتطورات العسكرية الناجمة عن الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على الضاحية الجنوبية. المشكلة الوحيدة التي بقيت ظاهرة أمس، مشكلة شحّ الدولارات في السوق، وسط ضغوط مورست على الصرافين لالتزام ما يُسمى سعر الصرف الرسمي، ما أدّى إلى امتناعهم عن تزويد السوق بحاجته من العملة الخضراء، ولجوء المصارف إلى إجراءات صامتة نتيجتها تقنين توزيع سيولتها بالدولار على الزبائن.
سلوك الصرافين
ما كان ملحوظاً في الأسواق، أن الصرافين امتنعوا بشكل شبه شامل، عن تزويد الزبائن بحاجتهم من الدولارات. بعضهم أبلغوا الزبائن أنهم ملتزمون السعر المحدّد من قبل مصرف لبنان، أي 1501 للشراء و1514 للبيع، لكن «ليس لدينا دولارات». صرافون آخرون أبلغوا الزبائن أن السعر في السوق يزيد على 1540 ليرة مقابل الدولار الواحد «وليس لدينا دولارات حالياً».
هذا السلوك، كما أوضحت أوساط الصرافين لـ«الأخبار»، ناجم عن ضغوط تعرّضوا لها من لجنة الرقابة على المصارف ومكتب مكافحة الجرائم المالية. إذ أجبر عدد من الصرافين على توقيع تعهدات تفيد بالتزامهم سعر الصرف المحدّد من مصرف لبنان، علماً بأن لجنة الرقابة استدعت نقيب الصرافين محمود مراد، وطلبت التزام سعر الصرف المحدد من مصرف لبنان أيضاً. «ليس لدينا مشكلة في التزام سعر الصرف المحدد من مصرف لبنان، لكن إذا لم نشترِ دولارات بسعر أقل من سعر البيع للزبائن المحدّد من المصرف المركزي، فلن نكون قادرين على تلبية الزبائن. نحن نؤدي دوراً وسيطاً بين زبون يريد بيع دولاراته في السوق، وآخر يريد شراء دولارات من السوق مقابل العملة المحلية أو أي عملة أخرى يحملها، وإذا كان السعر الذي يعرضه حامل الدولارات على الصراف أعلى من سعر مصرف لبنان، فلن يكون بإمكاننا الشراء، ولن تكون لدينا كميات نضخها في السوق، ولن نقوم بهذه العمليات بخسارة، فنحن مؤسسات تبغي الربح لا الخسارة»، يقول أحد الصرافين.
مكتب الجرائم المالية أجبر الصرافين على التزام السعر الرسمي


لهذه الأسباب، تشير مصادر الصرافين إلى أن اجتماعاً سيعقد الجمعة المقبل لتدارس الوضع وكيفية الخروج منه، مشيرة إلى أن «المشكلة ليست لدينا. فالأزمة الحالية دفعت العديد من الناس إلى سحب ودائعهم بالدولار نقداً، ما أدّى إلى شحّ الدولارات في السوق». والصرافون لا حلول لديهم لهذه الأزمة، بل يريدون «مناقشة التعسف اللاحق بهم من السلطات بلا فهم للواقع الذي أدّى إلى هذه التطورات في السوق».

احتواء التطورات
وباستثناء مسألة شحّ الدولارات، لم تلحظ السوق أي تداعيات ناجمة عن التطورات المتعلقة بالتصنيف والهجوم العسكري الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية. وقد أدّت مجموعة من العوامل دوراً حيوياً في امتصاص نتائج خفض «فيتش» تصنيف لبنان. «لا شكّ في أن قرار تأجيل صدور تقرير فيتش لمدة 24 ساعة من مساء الخميس إلى مساء الجمعة عبر الاعتراض على الأرقام الواردة في التقرير، كان صائباً من الفريق المعني بالتواصل مع وكالتي التصنيف. إذ أدّى ذلك إلى صدور تقرير فيتش الذي يخفض التصنيف بالتوازي مع صدور تقرير ستاندرد أند بورز الذي يبقي على التصنيف السابق، فتقلصت مفاعيل خفض التصنيف إلى الحدّ الأدنى» يقول مصدر مطلع.
ويشير خبراء متابعون إلى أن من العوامل التي أدّت دوراً إضافياً أن «كل ما له علاقة بالتصنيف كانت نتائجه واضحة قبل صدور تقرير فيتش وستاندرد أند بورز، وكل التداعيات المحتملة جرى امتصاصها من الأسواق قبل صدور التقريرين».
أما لجوء الكيان الإسرائيلي إلى تنفيذ هجوم عسكري على الضاحية الجنوبية، فلم يؤدّ إلى تداعيات سلبية على سعر الصرف، ولا على السندات اليوروبوندز «وهذا النوع من التطورات لا يؤثّر كثيراً في الأسواق، بدليل أنه طول فترة الصراع مع العدو الإسرائيلي لم تكن هناك تأثيرات واسعة على سعر الصرف ولا على التدفقات، وإن كانت الظروف مختلفة اليوم، إلا أن هذه المناعة لا تزال متوافرة لدى لبنان» يقول المصدر.