بدت كل المواقف التي صدرت عن المحور الأميركي - السعودي في لبنان منضبطة بين موقفين؛ الأول أصدره الوكيل، الرئيس فؤاد السنيورة، صباحاً، وأكد فيه ضرورة التحلّي بالمسؤولية والصلابة وعدم التهوّر في الردود والتصرفات، والثاني أصدره الأصيل، أي وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، حيث دعا في اتصاله المسائي مع رئيس الحكومة سعد الحريري إلى «تجنّب أي تصعيد، والعمل مع الأطراف المعنيين كافة لمنع أي شكل من أشكال التدهور». لم ينه بومبيو الاتصال إلا وقد سمع من الحريري تأكيداً لـ«بذل كل الجهود من الجانب اللبناني لضبط النفس والعمل على تخفيف حدة التوتر». كان ذلك قبل أن يفرض السيد حسن نصر الله مرحلة جديدة عنوانها عدم ترك أي اعتداء من دون رد.قبل ذلك، كان الحريري يطمئن بومبيو إلى التزام لبنان بموجبات القرارات الدولية، لا سيما القرار ١٧٠١ ، منبّهاً إلى مخاطر استمرار الخروقات الاسرائيلية لهذا القرار وللسيادة اللبنانية ووجوب العمل على وقف هذه الخروقات.
موقف هذا المحور، أسوة بكل ما صدر من مواقف، كان مندّداً بالاعتداء الإسرائيلي الأول من نوعه منذ عام 2006، إلا أن ذلك لم يُقرن بالإشارة إلى وجوب الرد على الاستباحة الإسرائيلية المتكررة للسيادة اللبنانية، أو مجرد التهديد به. وكان هناك حرص، وهو «مفهوم»، على «التمسك بالقرارات الدولية ومستلزماتها والتقدم بشكوى عاجلة إلى مجلس الامن​، لنؤكد حق لبنان ونحفظه أمام ​العالم»، على ما قال الحريري والسنيورة ووزيرة الداخلية ريا الحسن... لكن ما لم يكن مفهوماً، هو الإصرار على تحييد كل عناصر القوة، تلك التي ينص عليها خطاب القسم والبيان الوزاري. للتذكير، ينص البيان الوزاري على عدم توفير مقاومة في سبيل حماية وطننا من عدو لما يزل يطمع بأرضنا ومياهنا وثرواتنا الطبيعية. وهذا يعني أن لبنان الرسمي يفترض أن يكون أول من يرد على الاعتداء الإسرائيلي، وليس مهادناً أو ساعياً إلى امتصاص أي ردّ فعل مفترض أو منتظر. لكن مع تجاوز ذلك والاقتناع بأن الخلافات والاقتناعات السياسية لن تسمح بموقف متقدم كهذا، فعلى الأقل يفترض الالتزام بحق اللبنانيين في الدفاع عن أنفسهم، أم أن واضعي البيان الوازري نسوا أنهم أكدوا «حق المواطنين اللبنانيين في المقاومة للاحتلال الإسرائيلي ورد اعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلة»؟
في التصريحات الصادرة عن عدد من الوزراء انقلاب على البيان الوزاري


في التصريحات الصادرة عن عدد من الوزراء انقلاب على البيان الوزاري. عبارات التنديد بالاعتداء عالية السقف وتُذكّر بأن إسرائيل خرقت القرار 1701، داعية إلى الشكوى إلى مجلس الأمن. لكن ماذا بعد؟ وزيرة الداخلية دعت الى الالتفاف حول الدولة ومؤسساتها الشرعية وأجهزتها الامنية لحفظ الامن والاستقرار عبر قرارات سياسية موحدة لمصلحة لبنان واللبنانيين». الوزيرة مي شدياق أشارت إلى أنه «في هذا الظرف الخطر يجب الالتفاف حول أجهزة الدولة الأمنية الشرعية لتكون وحدها مسؤولة عن حماية الوطن وفق استراتيجية دفاعية واضحة. عسى ألا يتفرد فريق بقرار السلم والحرب ويجر لبنان للمجهول». الوزير عادل أفيوني دعا إلى الرد «بالوقوف صفاً واحداً تحت مظلة الدولة والشرعية الدولية وتطبيق القرار 1701». وعلى المنوال نفسه سارت تغريدات عدد كبير من النواب. التضامن والالتفاف حول الدولة لمواجهة التحديات، ودعوة المجمتع الدولي إلى ردع إسرائيل عن اعتداءاتها، مقابل التحذير من تفرّد أي طرف بالقرار. رئيس حزب القوات اللبنانية ​سمير جعجع​ عبّر، في بيان، عن تعاطفه الكامل «مع أهلنا في ​الضاحية الجنوبية​»، مستنكراً «الاختراقات الاسرائيلية المتكررة لسمائنا كما لجوؤهم إلى طائرات مسيّرة مفخخة ضد أهداف في لبنان». إلا أنه دعا ​الحكومة الى «التوقف مطولاً عند ما جرى، ومناقشة موضوع وجود القرار الاستراتيجي العسكري والامني خارج الدولة، واتخاذ التدابير اللازمة لإعادته إلى الدولة رفعاً للأذى عن شعبنا وتجنّباً للأسوأ»، فيما دعا الرئيس تمام سلام إلى وقفة وطنية لبنانية جامعة «تحبط مخططات إسرائيل وتذكّر المجتمع الدولي بمسؤولياته، وتنأى بلبنان عن الحريق الإقليمي».