أشعلت بلدية بيروت الحرب مع هيئة ادارة السير بقرارها، في جلسة الخميس الماضي، تكليف استشاري لتحضير دفتر شروط خاص لتركيب وتشغيل عدّادات وقوف السيارات (باركميتر) في شوارع بيروت. بذلك، خالفت البلدية استشارة لهيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل (10/4/2019) خلصت فيها إلى أنه «لا يتوجب على بلدية بيروت تجديد العقد مع هيئة ادارة السير في ما يتعلق بمشروع تركيب عدادات لانتظار السيارات بعد تنفيذ المشروع (…) ويعود أمر التعاقد لها مع الجهة التي تراها مناسبة»، ولكن «استناداً الى دفتر شروط تضعه هيئة ادارة السير».الخلاف بين البلدية والهيئة يعود الى عام 2017 عقب مراسلة من محافظ بيروت زياد شبيب إلى وزير الداخلية والبلديات السابق نهاد المشنوق يسرد فيها «معاناة البلدية» مع الهيئة، مشيراً الى أن العقد الموقع بين البلدية وهيئة السير منذ عام 2004 انتهت صلاحيته عام 2010، إلا أنه يجري تجديده تلقائياً من طرف واحد (الهيئة). فيما «ادارة السير تستثمر أملاكاً عامة بلدية وعدّادات تعود ملكيّتها للبلدية دون أي سند قانوني يجيز لها ذلك». ومنذ عامين، تتبادل الهيئة والمحافظ الرسائل عبر وزارة الداخلية، قبل أن يتم الاحتكام الى هيئة التشريع والاستشارات التي قدّمت للبلدية مخرجاً قانونياً لفسخ العقد، على ان تستعين بهيئة إدارة السير لاعداد دفتر شروط أي عقد جديد. إلا أن عيتاني قفز فوق هذا «التفصيل» من دون أي مبرر.
وتؤكّد مصادر بلدية أن رئيس البلدية هو من أصرّ على أن تعدّ البلدية (لا الهيئة) دفتر الشروط، ومرّر القرار في جدول أعمال المجلس متخطّياً توصية هيئة التشريع، وضارباً بعرض الحائط مطالعة شبيب القانونية التي تمكن من خلالها من اثبات صلاحية البلدية لتنظيم النقل المشترك ومحاضر الضبط والمخالفات من دون العودة الى الهيئة. كما أفشل مساعي الهيئة لتحميل البلدية تكاليف تشغيل وصيانة غرفة التحكم المروري وتشغيل وصيانة اللوحات الارشادية من نهر الكلب الى المطار، فيما تنص الاتفاقية على صيانة وتشغيل الاشارات الضوئية فقط. وقد دفعت هذه المطالعة هيئة التشريع الى الزام ادارة السير بالتقيد التام بأحكام العقد بينها وبين البلدية، وفصل رصيد حساب العدادات عن حساب ادارة السير المفتوح لدى مصرف لبنان، وتعيين مندوب عن البلدية لمتابعة تنفيذ العقد. علماً أن الهيئة تحظى وفقاً لأحكام المادة 56 من المرسوم رقم 4082 (وزارة الداخلية والبلديات) بتمويل خاص يفترض أن يسدد تكاليفها. الا أنها تحتفظ بكل العائدات وتنفقها.
إلى ذلك، يثير قرار المجلس البلدي تكليف استشاري بتركيب عدادات جديدة وتشغيلها تساؤلات كثيرة. إذ أن العدّدات الحالية (وهي ملك للبلدية) لا تزال في حال جيدة، فهل وراء تركيب عدّادات جديدة والاصرار على وضع البلدية دفتر الشروط بنفسها محاولة لتفصيل دفتر شروط على مقاس مستثمر معين؟ عيتاني لم يرد على اتصالات «الأخبار» لسؤاله عن الموضوع، فيما برّر بعض الأعضاء تكليف استشاري بأن «المجلس أرسل طلبا للهيئة بإعداد دفتر شروط منذ 6 أشهر من دون أن يلقى أي رد».
خالف عيتاني رأي هيئة التشريع والاستشارات الذي وفّر له مخرجاً قانونياً لفسخ العقد


من جهتها، تنفي مصادر هيئة ادارة السير تلقيها أي طلب في هذا الشأن». وأكّدت «الاستعداد الكامل لتزويد البلدية بدفتر شروط»، وأنها غير متمسكة بالمشروع الا لتغذية مصاريف اشارات السير الضوئية في ظل عدم امكانية زيادة الموازنة». ونبّهت الى أن قرار البلدية بفسخ العقد يهدد بوقف العمل بكل اشارات السير في بيروت وفي غرفة التحكم المروري وبتضييع أموال قرض البنك الدولي ضمن مشروع «تطوير النقل الحضري لبيروت الكبرى» الذي نفذه مجلس الانماء والاعمار. وأكدت أن «الايرادات الشهرية تتراوح بين 9 ملايين دولار و12 مليوناً يذهب نحو 50% إلى 60% منها لتسديد رواتب 100 موظف من ضمنهم موظفو الشركة الخاصة المكلفة ادارة العدادات، وتذهب الأربعة مليارات ليرة المتبقية لتغطية نفقات غرفة التحكم المروري وكاميرات المراقبة واللوحات الارشادية، علماً أن وزارة المال لا تغطي أياً من نفقات الهيئة».
وفق مصادر مطلعة فإن للخلاف القانوني على «الباركميتر» وتوقيته تفسيراً سياسياً. وسألت عن سبب استفاقة بلدية بيروت اليوم، إذ «لطالما كانت هيئة ادارة السير دجاجة تبيض ذهبا، واستفاد منها تيار المستقبل منذ أن انتقلت ادارتها عام 2014 الى هدى سلوم المحسوبة على التيار ونسيبة أحد نوابه». ولفتت الى أنه مع اقتراب التعيينات الادارية، فإن المؤكد أن هذا المنصب سيذهب الى التيار الوطني الحر. لذا قرر تيار المستقبل، عبر البلدية، استباق الأمر باستعادة العدادات الى كنف البلدية.