نحو 9,33 مليارات دولار ضخّها النزوح السوري في الاقتصاد اللبناني بين عامَي 2013 و2018. إذ تسلّم لبنان، خلال هذه الفترة، 5.8 مليارات دولار مساعدات إنسانية، ويقدّر حجم «المُضاعف المالي» لكل دولار من أموال المُساعدات بـ 1.6 دولار. وبالتالي، فإنّ الـ 5.8 مليارات دولار تُرجمت فعلياً ضخّ 9.33 مليارات دولار في الاقتصاد اللبناني.إلى ذلك، يدفع النازحون، سنوياً، بين 383 مليون دولار و530 مليوناً بدلات إيجار للسكن. فيما زادت الإيرادات الحكومية بين 2011 و2016 نحو 800 مليون دولار نتيجة زيادة الطلب على السلع الاستهلاكية. وقبل النزوح السوري، كان الاقتصاد اللبناني يخلق نحو 3400 فرصة عمل سنوياً، «في حين أن 10 آلاف وظيفة، بالحد الأدنى، خلقت سنوياً منذ بدء تدفّق اللاجئين السوريين». وخلقت خطة «استجابة اللاجئين السوريين»، وحدها، 22 ألفاً و500 فرصة عمل عام 2016 في القطاع العام، منها 10 آلاف و181 عملاً بدوام كامل، فيما وصل عدد الوظائف في القطاع العام المدعومة من الخطة الى 10 آلاف و819 بحلول نهاية عام 2018. وزاد عدد المُشتركين في شركات الهاتف الخلوي من 2.9 مليون عام 2010 إلى 4.4 ملايين شخص عام 2017 بسبب امتلاك 85% من السوريين في لبنان اشتراكات في شبكتَي الخلوي.
هذه الأرقام وغيرها استعرضها مؤتمر «الإدماج الاقتصادي لتخفيف أزمة اللجوء»، الذي عقده مشروع «اللاجئون = شركاء»، الجمعة الفائت، لإبراز المساهمات الاقتصادية للنازحين السوريين، ولبناء خطاب مُضادّ لخطاب الكراهية المعادي للنازحين «والذي يتفاقم حالياً لأغراض سياسية بحت»، بحسب أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت جاد شعبان.

تبريرات وهواجس
شعبان ذكّر بأنّ هذا الخطاب يُحمّل النازحين مسؤولية فشل إدارة الدولة للاقتصاد وغياب السياسات الوطنية الشاملة لإدارة أزمة النزوح، ولفت الى «اللغط المقصود بين أثر الأزمة السورية وأثر اللجوء السوري على الاقتصاد اللبناني». وأوضح أن «تداعيات الأزمة السورية على الاقتصاد لجهة تراجع التحويلات وإغلاق الحدود ومنع تصريف المنتجات أمر، وتداعيات وجود اللاجئين أمر آخر تماماً»، مشدّداً على ضرورة «كسر هذا اللغط».
شعبان، وبقية المُشاركين في المؤتمر، أقرّوا بالعبء الذي فرضته أزمة النزوح على البنية التحتية الهشّة أصلاً، فضلاً عن الضغط على الخدمات العامة والمساهمة في توسع قطاع العمل غير الرسمي ذي المهارات المحدودة، ما أدّى إلى تفاقم حدّة التوترات مع المجتمعات المحلية المُضيفة، وخصوصاً «أنّ أزمة اللجوء في لبنان هي الأخطر في العالم قياساً بعدد السكّان»، وفق المدير التنفيذي لشبكة المنظّمات العربية غير الحكومية زياد عبد الصمد (وصل معدّل النازحين بدءاً من عام 2014 إلى 25% من سكّان لبنان).
زاد ملف النزوح فرص العمل في لبنان أكثر من ثلاثة أضعاف

إلّا أنّ هذه العوامل باتت تُستخدم في الخطاب المحلي أو العام «لتبرير الإخفاقات الاقتصادية والأمنية والبيئية الظاهرة في البلاد». عبد الصمد أشار الى «أسباب بنيوية» مرتبطة بطبيعة النظام الاقتصادي الريعي فاقمت تداعيات اللجوء. ولفت أصحاب المشروع الى أنّ غياب الإطار المؤسساتي لتنظيم العلاقات مع النازحين أدّى الى تزايد انعدام الأمن، «ما قلّل من إمكانية مُشاركة اللاجئين بفعالية في تطوير الاقتصاد اللبناني». ولفت هؤلاء إلى أنه رغم تخصيص المنظّمات الإنسانية والدول المانحة دعماً كبيراً لمساعدة الدولة واللاجئين والمجتمعات المحلية المُضيفة للتخفيف من أثر الأزمة، إلا أن الحاجة بقيت الى تنفيذ برامج تبتعد عن المساعدات النقدية لمصلحة نشاطات مُستدامة كالمشاريع المتعلّقة بخلق فرص العمل. من هنا، كانت «التوصية» الأبرز للمؤتمر بوضع سياسات ناظمة لوجود النازحين في لبنان والسياسات البديلة التي يمكن أن تضمن خلق فرص اقتصادية للجميع. ولكن، ألا ينسجم ذلك مع مطالب دولية بإدماج النازحين في الاقتصاد اللبناني بهدف منعهم من العودة إلى بلادهم؟
الجواب جاء على لسان شعبان الذي لفت الى أن «الخطر الأساسي» الذي يجب التصدّي له هو تنامي خطاب الكراهية، لافتاً الى أن المشروع هو «نتاج جهد بحثي لتبيان الوقائع ولإنشاء شبكة تواصل وحوار جدّي بناءً على معايير علمية، وبعيداً من الشعبوية، بهدف إصلاح الواقع الحالي إلى حين انتهاء الأزمة وعودة اللاجئين. بمعنى آخر، فإنّ «وضع السياسات الاقتصادية الدامجة مطلوب حالياً لتنظيم وجود اللاجئين في الوضع الراهن وفي المستقبل». وأشار في هذا الصدد الى «اللغط الثاني حول العامل واللاجئ»، إذ إنّ «طبيعة نمط الإنتاج اللبناني تحتاج إلى عمال أجانب غير مهرة لأنّ اللبنانيين غالباً ما يرفضون العمل فيها». انطلاقاً من ذلك، هناك «ضرورة تسوية الواقع الذي حوّل اللجوء إلى عبودية وسُخرة، وساهم في تنمية الكراهية».



مشروع «اللاجئون = شركاء»
وفق القيّمين على المشروع، فإنّه «مبادرة مُستقلّة»، تضمّ الجمعية اللبنانية الاقتصادية (LEA) والمركز السوري لبحوث السياسات (SCPR). وهي تهدف الى خلق خطاب مُضادّ للخطاب السائد حول اللاجئين السوريين من خلال المناصرة والحراك الاجتماعي والدعوة إلى تغيير السياسات، استناداً الى بحوث ودراسات من شأنها أن تُسلّط الضوء على الجوانب الإنسانية المُشتركة بين المجتمعات اللبنانية المُضيفة واللاجئين السوريين، مع التركيز على الآثار الاجتماعية والاقتصادية ومساهمات اللاجئين في تطوير المجتمعات المحلية.