برزت اخیراً مواقف وتحركات عدة رافضة لتداعیات خطة وزارة العمل لتنظیم الید العاملة الاجنبیة على اللاجئین الفلسطینیین في لبنان. كما صدرت تصریحات لرئیس لجنة الحوار اللبناني الفلسطیني الوزیر السابق حسن منیمنة مفادها أنّ «وزیر العمل یصرّ على اضافة بنود تعرقل تسهیل تسویة اوضاع اللاجئین الفلسطینیین التي اقترحتها الوثیقة اللبنانیة الموحدة» التي صدرت عن لجنة الحوار اللبناني الفلسطیني في آذار 2017. ومن بین هذه البنود الاصرار على الحصول على اجازة عمل. ولما كان بعض هذه المواقف والتصریحات مبنیاً على معلومات مغلوطة او منقوصة، وافساحاً في المجال امام نقاش موضوعي، یهمني ایضاح الآتی:1) ینص قانون العمل اللبناني على وجوب استحصال اي اجیر غیر لبناني، بمن فیهم الفلسطینیون، على اجازة عمل وفقا للنصوص القانونیة الآتیة:
* المادة 59 الفقرة 3 من قانون العمل المعدلة بموجب القانون رقم 129 تاریخ 2010/8/24، وتنص، قبل التعدیل: «یتمتع الاجراء الاجانب عند صرفهم من الخدمة بالحقوق التي یتمتع بها العمال اللبنانیون على شرط المعاملة بالمثل ویترتب علیهم الحصول من وزارة العمل على اجازة العمل». لتصبح بعد التعدیل: «یتمتع الاجراء الاجانب عند صرفهم من الخدمة بالحقوق التي یتمتع بها العمال اللبنانیون شرط المعاملة بالمثل، ویترتب علیهم الحصول من وزارة العمل على اجازة عمل. یستثنى حصرا الاجراء الفلسطینیون اللاجئون المسجلون وفقاً للأصول في سجل وزارة الداخلیة والبلدیات، مدیریة الشؤون السیاسیة واللاجئین من شروط المعاملة بالمثل ورسم اجازة العمل الصادرة عن وزارة العمل». إذاً، أعفى القانون 129 الأجیر اللاجئ الفلسطیني من «رسوم الاجازة» فقط، ولم یعفه من شرط الاستحصال على اجازة عمل.
* قانون تنظیم الدخول إلى لبنان والاقامة فیه والخروج منه تاریخ 10/7/1962، معدّل بموجب قانون رقم 173 (14/2/2000) الذي ينص:
«المادة الأولى: یعدّ أجنبیاً بالمعنى المقصود بهذا القانون، كل شخص حقیقي من غیر التابعیة اللبنانیة.
المادة 25: یحظر على الأجنبي غیر الفنان أن یتعاطى عملاً أو مهنة في لبنان ما لم یكن مرخصاً له بذلك من وزارة العمل وفقا للقوانین والأنظمة النافذة».
من الثابت، وفقاً لما ورد أعلاه، أنه یترتب على كل شخص غیر لبناني یرغب بمزاولة عمل في لبنان الحصول على اجازة عمل.
* القانون رقم 70/1 (17/1/1970) وآخر تعديل عليه عام 2002:
نصّت المادة 26 البند 2 منه على ان الفلسطینیین المسجلین في المدیریة العامة لشؤون اللاجئین یدفعون 25% من قیمة الرسوم المحددة لإجازة العمل والموافقة المسبقة. ویثبت من هذا القانون أیضاً أنه یترتب على الأجیر اللاجئ الفلسطیني الاستحصال على إجازة عمل.
وبما ان وجوب الاستحصال على اجازة العمل منصوص عنه في القوانین، لا یجوز لوزیر العمل استثناء الاجراء الفلسطینیین من واجب الاستحصال علیها إلا اذا تم تعدیل هذه القوانین.
2) للاجئین الفلسطینیین خصوصیة مشروعة مقارنة بالعمال الاجانب، اصبحت حقاً مكرساً لهم تحت القوانین اللبنانیة. ونحن نحترم هذه الخصوصیة، وتطبقها وزارة العمل قبل مطالبتهم بها.
وقد كرست القوانین اللبنانیة وقرارات وزارة العمل هذه الخصوصیة عبر: اعفاء الاجیر من رسم اجازة العمل (قانون رقم 129 تعدیل المادة 59 من قانون العمل) ومن شرط المعاملة بالمثل؛ اعفاء صاحب العمل الفلسطیني من 75% من رسم اجازة العمل (القانون 70/1)؛ اعفاء من الفحص المخبري (قرار رقم 7/1 تاريخ 22/1/2013)، اعفاء من شهادة الایداع المصرفیة (قرار رقم 7/1 تاريخ 22/1/2013).
ویثبت مما تقدم أن أیاً من وزراء العمل المتعاقبین لم یعف الأجراء الفلسطینیین، ولیس باستطاعته قانوناً اعفاؤهم من اجازة العمل، بدلیل ان القرار 7/1 الصادر عن الوزیر سلیم جریصاتي اعفاهم من بعض المستندات عند تقدمهم للاستحصال على اجازة عمل. كما لم تعفهم قرارات الوزراء السابقین من وجوب ابراز عقد العمل، بدلیل ان مشروع المرسوم المقدم من الوزیر محمد كبارة بتاریخ 27/7/2018 (الصادر بعد اعلان توصیات لجنة الحوار اللبناني الفلسطیني في آذار 2017 ) نصّ على أنه یتوجب على كل لاجئ فلسطیني الحصول على اجازة عمل، كما حدد لكل فئة من الأجراء المستندات المطلوبة لاستحصالهم على هذه الاجازة، و«على وجوب تقدیم عقد عمل علیه ختم المؤسسة»، وتعهّد من صاحب العمل بالتصریح عن العامل للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
3) أوصت لجنة الحوار اللبناني الفلسطیني بوجوب إقدام العمّال الفلسطینیین على الاستحصال على إجازات عمل. وتقدّمت هذه اللجنة في آذار 2017 من مجلس الوزراء بتوصیة تضمنت مشروع مرسوم تطبیقي للقانون رقم 129. ولكن لیس من الضروري قانوناً صدور مراسیم تطبیقیة للقانون 129، لأن هذا القانون نافذ منذ تاریخ نشره في الجریدة الرسمیة، ویطبق من قبل وزارة العمل منذ العام 2010.
4) لا مانع لدى وزارة العمل من إقرار مراسیم تطبیقیة للقانون 129 اذا كانت تحدّ من هواجس الفلسطینیین من الاستنسابیة.
5) منذ بدأنا تطبیق الخطة في حزیران 2019 قدمت وزارة العمل تسهیلات اضافیة للاجئین الفلسطینیین، منها: اعفاء من شرط ابراز افادة ضمان او تعهد بتسجیل العامل في الضمان كشرط
للحصول على اجازة عمل؛ اعفاء اصحاب العمل الفلسطینیین من شرط تحدید حصتهم برأس مال الشركة بـ 100 ملیون لیرة كحد ادنى؛ اعفاء من اي تصدیق لدى الكاتب العدل؛ عدم فرض نسب لعدد الاجراء الفلسطینین مقارنة باللبنانیین كما هو حاصل مع العمال الاجانب؛ المساواة بین اللبنانیین والفلسطینیین في الغرامات التي یفرضها القانون؛ الاكتفاء بإفادة من صاحب العمل تبیّن صفة العامل الفلسطیني وأجره الشهري وبدء ونوع عمله أو عقد عمل موقّع من صاحب العمل والعامل، الاكتفاء بأي مستند یثبت وجود المؤسسة الخاصة بصاحب العمل (إفادة بلدیة أو مختار...).
وعلیه، إن الاصرار على اصدار اجازة عمل من دون اي اوراق ثبوتیة من صاحب العمل يفرّغ الاجازة من مضمونها، ويتنافى مع قرارات وزراء العمل السابقین، ويخلق بلبلة مع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
6) على الاجیر الفلسطیني ان یثبت صفته كلاجئ مسجّل في سجلات وزارة الداخلیة والبلدیات كي یستفید من تسهیلات القانونین 128 و129. وهذا ینافي ادعاءات بعضهم ان حصول الفلسطینیین في لبنان على اجازات عمل یفقدهم صفتهم كلاجئین.
7) خطة وزارة العمل لم تستهدف الاجراء الفلسطینیین، لكن لیس بوسعنا أن نستثني فئة دون أخرى من تطبیق القانون.
لم تعف أي من قرارات وزراء العمل اللاجئين من وجوب ابراز عقد العمل


8) من حسنات اجازة العمل انها تثبّت للاجیر الفلسطیني حقوقه لناحیة الاجر ومدة العمل والفرص السنویة. كما تسمح له بالاستفادة من تعویض نهایة الخدمة، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ویطبق ذلك منذ العام 2010. وتشیر آخر احصاءات تقدیریة لدى الضمان الى ان هناك حوالى 3100 اجیر فلسطیني، یستفید منهم الف فقط من تعویض نهایة الخدمة بسبب حصولهم على اجازة عمل، فیما لا یستفید 2100 آخرون یسددون هم او ارباب عملهم اشتراكات للضمان. مع الاشارة الى ان الحساب المستقل الخاص باللاجئین الفلسطینیین في الضمان بلغ لغایة تاریخه حوالى 14 ملیار لیرة.
إننا منفتحون على أي نقاش وحوار في مجلس الوزراء في هذا الشأن، ومناقشة أي ورقة عمل یقدمها الجانب الفلسطیني، وهذا ما لم یحصل حتى تاریخه. وفي ما عدا ذلك، لن اتوقف عند الافتراءات وحملات التجني ونظریات المؤامرات. ولكن یهمني ان أؤكّد تعاطفي التام مع معاناة الشعب الفلسطیني عامة وفي لبنان خاصة، ورفضي المطلق لصفقة القرن وللتوطین، وتضامني مع القضیة الفلسطينیة العادلة التي تشكل القضیة الاساسیة التي یجمع علیها العالم العربي، وهذا ما عبّرت عنه جهاراً من على المنابر العمالیة العربیة والعالمیة في الاشهر الثلاثة الماضیة. كما انني اشید بحكمة الرئیس الفلسطیني محمود عباس ومبعوثه الخاص السید عزام الاحمد ومسؤوليتهما، وأثني على موقفهما الرافض لكل اشكال التصعید، واصرارهما على التمسك بالحوار وتطبیق القوانین اللبنانیة. وقد آلیتُ على نفسي أن یكون القانون اللبناني السقف الوحید الذي استظله في مهامي كوزیر حفاظاً على الدولة والمؤسّسات وحقوق اللبنانیین وغیر اللبنانیین.

* وزير العمل اللبناني