عندما أقرّ قانون «سلامة الغذاء» (رقم 35/2015) في 24 تشرين الثاني 2015، ظنّ اللبنانيون أن عمليات رصد كافة مراحل إنتاج الغذاء السليم ستصبح منظمة بمجرّد إقراره، وأن إشكالية تداخل صلاحيات الوزارات المعنية بالمراقبة، وعدم تجانسها في كثير من الأحيان، ستختفي أخيراً.بعد أكثر من أربعة أعوام على «الإنجاز» الصّوري، تبيّن أن سلامة اللبنانيين لا تزال عرضة للمخاطر ولجميع أنواع الملوّثات. والسبب يعود الى تقاعس مجلس الوزراء في إقرار المراسيم التنفيذية للقانون، وتحديداً مرسوم إنشاء «الهيئة اللبنانية لسلامة الغذاء». وهي «الهيئة» التي تتحدّد بموجبها شروط وإجراءات مراقبة تنفيذ أحكام القانون ونصوصه التطبيقية، وتضمن أعمال الرقابة بكل مراحلها والتنسيق بين الإدارات والوزارات المعنية، تلافياً لتضارب المسؤوليات. إلا أن «الهيئة» لم تُنشأ - حتى اليوم - بموجب مرسوم يصدر عن مجلس الوزراء، كما تقضي المادة 22 من القانون، برغم جهوزية أسماء المرشحين لرئاستها وعضويّتها، وهذا ما يجعل اللبنانيين «أمام مأزق حقيقي»، بحسب رئيس جمعية حماية المُستهلك زهير برّو، الذي أوضح لـ«الأخبار» أن التأخير يعود إلى «خضوع التعيينات لنظام المحاصصة الطائفية». ووفق نظام المحاصصة نفسه «فقد تم تعيين رئيس للهيئة»، محسوب على تيار سياسي نافذ، حسب برّو. ويعني ذلك عملياً أن آلية تعيين الرئيس جاءت مخالفة لأحكام المادة 23 من القانون، التي تشترط أن «يُسمّى في مرسوم التعيين من بين أعضاء مجلس إدارة الهيئة رئيس ونائب للرئيس، تتوافر في كل منهما شروط التعيين الخاصة المنصوص عليها» في الجداول المرفقة. برو يلفت إلى «خرق» آخر للقانون. إذ أن رئيس «الهيئة»، الذي «يقبض منذ تعيينه معاشاً ثابتاً»، يمتلك خبرة «شبه معدومة في مجال سلامة الغذاء». في حين أن شروط تعيين الرئيس تنصّ على أن يحمل دكتوراه في الهندسة الزراعية أو العلوم الزراعية أو الغذائية أو التغذية أو العلوم الصحية أو البيطرية أو إدارة الأعمال أو الاقتصاد الزراعي مع خبرة لا تقل عن 5 سنوات في مجال سلامة الغذاء وإدارة الجودة، أو ماجيستير في الاختصاصات المذكورة مع 10 سنوات خبرة.
وعموماً، وفي حال أُنشئت «الهيئة» في القريب العاجل، يؤكد برّو أن تفعيل عملها قد يحتاج إلى «عامين أو ثلاثة» في أقل تقدير. ما يعني أن حفظ سلامة الغذاء في لبنان سيبقى خاضعاً، في الوقت الحالي، لعمل الهيئات الرقابية غير المتجانسة ولكشوفات حملات «سلامة الغذاء». مع العلم أن آخر حملة جديّة أُجريت مضى على إطلاقها أكثر من أربع سنوات!
أواخر حزيران الماضي، نقلت تقارير صحافية عن وزير الصحة، جميل جبق، قوله إن تشكيل «الهيئة» منوط بإنشاء مختبر بيروت المركزي في مستشفى بيروت الحكومي. وفي حين أن قانون «سلامة الغذاء» لم يشترط في أيّ من بنوده إنشاء المختبر قبل إنشاء «الهيئة»، أكد المستشار الإعلامي للوزير، محمد عياد، أن الكلام المنسوب للوزير غير دقيق. ولفت في حديث لـ«الأخبار» إلى أن المختبر، الذي ينتظر تأمين معداته، سيسهم في تحسين عمل «الهيئة» متى تمّ إنشاؤها، و«سيكون بمثابة المرجع الوحيد لجميع الفحوصات المخبرية الرسمية في كافة المجالات»، بما فيها الغذاء.