في 21 تموز 2014، طلب الفريق المكلف الدفاع عن حقوق السيد حسين حسن عنيسي من غرفة الدرجة الأولى اتخاذ قرار يلزم الادعاء بالكشف عن كامل سجلات بيانات الاتصالات للفترة بين عام 2007 حتى عام 2010 الخاصة بأربعة أرقام هواتف محددة، إضافة إلى الكشف عن المضمون الكامل للرسائل النصية القصيرة (SMS) الخاصة بالهواتف الأربعة عينها. وشدّد المحامون على أن سجلات بيانات الاتصالات ومضمون الرسائل النصية القصيرة مهمة لتحضيرات الدفاع للمحاكمة، وينبغي بالتالي الكشف عنها بحسب مقتضيات قواعد الإجراءات والإثبات. وأُلحق بالطلب مرفق سري أُودع دون علم الادعاء، يعرض بالتفصيل الأدلة التي تبرر تقديم الطلب والتي تشير إلى أسباب الشك في صدقية الادعاءات بحق المتهمين الذين يحاكَمون غيابياً.ما تقدم به الدفاع أربك فريق الادعاء الذي سارع للاعتراض على الطلب، مثيراً بوقاحة غير مشهودة مسألة سرية المداولات بين المحامي وموكله التي يحتمل أن تنطبق على بعض الرسائل النصية القصيرة، علماً أن فريق الادعاء كان قد نسف أخلاقيات الخصوصية الفردية لآلاف الأشخاص من خلال إصراره على الاطلاع على كامل داتا الاتصالات في لبنان، في خطوة بوليسية مشبوهة لا تراعي سرية المداولات مع المحامين، ولا حصانة النواب، ولا سرية المعلومات الطبية أو التجارية أو الشخصية.
على أي حال، أودع محامو السيد عنيسي نسخة موجزة من الأسباب السرية التي تستدعي الكشف عن المعلومات، فأجاب الادعاء معترضاً مجدداً على الطلب، ومثيراً مرة أخرى مسألة سرية المداولات بين المحامين وموكله التي يحتمل أن تنطبق على بعض الاتصالات. فطلب محامو الدفاع من غرفة الدرجة الأولى إصدار قرار يأمر الادعاء بشرح الأساس القانوني الذي استند إليه للحصول على البيانات والاحتفاظ بها. لكن الادعاء أصرّ على ردّ هذا الطلب، في خطوة يمكن فهمها بأنها اعتراف غير مباشر بأنّ المحققين الأجانب في بيروت جمعوا معلومات عن اتصالات اللبنانيين من خارج القانون والأصول.
لكن الغرض من طلب فريق الدفاع الكشف عن سجلات بيانات الاتصالات ومضمون رسائل نصية قصيرة، لم يكن لمنع الادعاء من استخدام داتا الاتصالات، بل ليتمكن الدفاع من استخدام هذه المعلومات في تحضيراته.
إنّ كامل سجلات بيانات الاتصالات، وكامل مضمون الرسائل النصية القصيرة المعنية، هي بحوزة مكتب الادعاء. وكانت غرفة الدرجة الأولى قد حددت في أحد قراراتها السابقة معايير الكشف، وذكرت أنّ غرفة الاستئناف فسّرت المادة ١١٠ من قواعد الإجراءات والإثبات، وفقاً لاجتهادات القانون الجنائي الدولي، على أنها تعني ما يأتي: «يجب على جهة الدفاع أن تثبت بصورة أولية أنّ المواد المطلوبة مهمة للتحضير للدفاع». وأشارت غرفة الاستئناف إلى أنّ «التحضير» مفهوم واسع النطاق، وأنّ ما هو مهم لتحضيرات الدفاع ينبغي ألا يقتصر على أمور ترتبط ارتباطاً مباشراً بأدلة تبرئة أو أدلة إدانة، ولا على أمور «تتعلق بقضية الادعاء الرئيسية». ويجب على الادعاء، بحسب القضاة، وقبل الكشف عن الأدلة، تحديد ما إذا كانت تلك الأدلة مهمة لجهة الدفاع. ويجوز لجهة الدفاع أن تلتمس تدخلاً قضائياً إذا اعتبرت أن الادعاء يحجب أدلة مهمة لتحضيراتها، ولكن ليس لها أن تستند إلى مزاعم غير محددة وغير مثبتة، ولا إلى توصيف عام للمعلومات.
ويتعين على الادعاء تقييم طلبات الكشف عن موادّ ترتبط بالتحضير لإخضاع شاهد لاستجواب مضاد من خلال النظر في جملة أمور، منها «ما إذا كان من شأن المواد منطقياً أن تتيح لجهة الدفاع إجراء المزيد من التحقيقات واكتشاف أدلة إضافية».
وكان أحد شهود الادعاء المقترحين قد أدلى بإفادة أمام لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة في عام 2007 وأمام الادعاء في عام 2010. وسبق أن أُتيحت للدفاع إمكانية الاطلاع على سجلات بيانات الاتصالات ومضمون الرسائل النصية القصيرة المرتبطة بهاتف هذا الشاهد. غير أن ما التمسه فريق الدفاع، اطلاعه على سجلات بيانات الاتصالات، للفترة من عام 2007 إلى عام 2010، الخاصة بأربعة هواتف محددة استُخدمت للاتصال بهاتف الشاهد خلال تلك السنوات، وعلى أي مضمون خاص برسائل نصية قصيرة تتعلق بالهواتف الأربعة المذكورة في حوزه الادعاء.
وأفاد فريق الدفاع عن حقوق السيد عنيسي ومصالحه، بأن هذه المعلومات مهمة لتحضيرات جهة الدفاع للمحاكمة. وأضافوا أنّ الحصول عليها سيتيح لهم إجراء التحقيق المناسب بشأن أي صلة محتملة بين مستخدمي الهواتف الأربعة وإفادة الشاهد. وسلطوا الضوء على أن طلب الكشف هذا لا يتعلق إلا بأربعة أرقام هواتف من أصل ١٤٢٧ رقماً استُخدمت للاتصال بهاتف الشاهد بين عامي 2004 و2010. وقدّم فريق الدفاع معلومات إضافية عن أهمية أرقام الهواتف الأربعة، بما في ذلك ظروف الاتصالات التي جرت بين الهواتف الأربعة وهاتف الشاهد في سياق الإفادتين اللتين قُدمتا إلى جهة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة والادعاء.
لكن غرفة البداية انصاعت مرة جديدة للادعاء، ورأت أنّ واقعة استخدام الهواتف الأربعة للاتصال بهاتف الشاهد لا تكفي لإثبات أهمية سجلات بيانات الاتصالات أو مضمون الرسائل النصية القصيرة، ولا سيما أنّ كليهما يشمل اتصالات أجراها مستخدمو الهواتف الأربعة المعنية مع الآلاف. وأشار الادعاء في هذه المحكمة التي تقول إنها تعتمد «دلائل لا يرقى إليها الشك»، في أنّ «من الممكن، وربما من المرجَّح» أن تحتوي الرسائل النصية القصيرة الخاصة بأحد الهواتف الأربعة على معلومات محميّة بمبدأ سرية المداولات بين المحامي وموكله.
فريق الدفاع عن عنيسي أودع مذكرة إضافية، لكن الادعاء كرّر القول إن جهة الدفاع لم تبيّن أهمية سجلات بيانات الاتصالات ومضمون الرسائل النصية القصيرة. وخلص الادعاء إلى أن ليس ثمة أمر يؤيد ارتباط أيٍّ من مستخدمي الهواتف الأربعة بإفادة الشاهد.
واقترح الادعاء أن تقوم غرفة الدرجة الأولى، إذا ما رأت أنّ أهمية المواد المطلوبة قد أثبتت فعلاً، بإصدار قرار يقضي فقط بالكشف عن جزء محدد من سجلات بيانات الاتصالات ومضمون الرسائل النصية القصيرة. لكن لماذا التشدد في السرّية، لو كانت معلومات الادعاء صحيحة؟ لماذا التكتم لو لم يكن هناك احتمال تلاعب بالاتصالات وفبركة أدلة؟
شرح الدفاع للمحكمة أنْ ليس في مقدوره التعليق على مدى انطباق السرية المهنية على مواد موجودة في حوزة الادعاء وحده. والتمس الدفاع من غرفة الدرجة الأولى إصدار قرار جديد تطلب فيه من الادعاء شرح الأساس القانوني الذي يبرر حيازته لهذه البيانات. لكن الادعاء شدد على وجوب ردّ الطلب، ربما بسبب إدراكه أنْ لا أساس قانونياً للسطو الذي قام به المحققون الأجانب على معلومات تتعلق بالخصوصية الفردية في لبنان.
الشفافية الانتقائية بما يناسب الادعاء
استخدمت الهواتف الأربعة التي طلب الدفاع الحصول على سجلات بيانات الاتصالات ومضمون الرسائل النصية القصيرة الخاصة بها للاتصال بهاتف الشاهد بين عامي ٢٠٠٤ و٢٠١٠. وكان من المتوقع أن يتطرق الشاهد في إفادته إلى جانب من قضية الادعاء ذي أهمية بالنسبة إلى الدور الذي يزعم أنّ السيد عنيسي أداه وفقاً لقرار الاتهام. وبالتالي، كان ينبغي لغرفة الدرجة الأولى تحديد ما إذا كان من شأن المواد المطلوبة أن تتيح للدفاع إجراء المزيد من التحقيقات واكتشاف أدلة إضافية.
لفريق الادعاء انتقاء ما يناسبه من الداتا وحجب ما لا يناسبه عن الدفاع


الغريب أنّ اقتناع غرفة الدرجة الأولى بإمكانية اكتشاف فريق الدفاع عن السيد عنيسي خيوط تحقيق من خلال المعلومات المطلوبة لم يَعنِ، بحسب القضاة، أنّ المواد المطلوبة مهمة لتحضير الدفاع، حيث إنّ غرفة الدرجة الاولى اقتنعت بأنّ السماح للدفاع بالاطلاع على سجلات بيانات الاتصالات للفترة من عام ٢٠٠٧ إلى عام ٢٠١٠ الخاصة بالهواتف الأربعة المحددة قد يتيح له الحصول على معلومات عن أدلة ذات صلة بإحدى مسائل القضية. فالحصول على سجلات بيانات الاتصالات سيتيح تحليل أنماط الاتصالات التي أجراها مستخدمو الهواتف الأربعة، ولا سيما الاتصالات المرتبطة بالفترة التي أدلى فيها الشاهد بإفادة أمام لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة، ومن ثم أمام الادعاء. واقتنعت غرفة الدرجة الأولى بأنّ ذلك قد يتيح معلومات ملموسة ومهمة لتحضيرات جهة الدفاع للمحاكمة، فأمرت الادعاء بالكشف عن سجلات بيانات الاتصالات لجهة الدفاع. فما المشكلة؟ القضاة اقتنعوا بالشفافية، وأمروا الادعاء بالتزامها. لكن الخديعة تكمن هنا في أن القضاة أنفسهم رفضوا اطلاع الدفاع على المضمون الكامل للرسائل النصية القصيرة للهواتف الأربعة، وأيدوا ما أشار إليه الادعاء، وعدّوه محقاً. يعني ذلك أنهم مع الشفافية الانتقائية...
وكان الادعاء قد أشار إلى أنّ إتاحة الاطلاع على المضمون الكامل للرسائل النصية القصيرة، وبالأخص الرسائل التي جرى تبادلها بين الهواتف الأربعة وأرقام هواتف أخرى لا صلة مؤكدة لها بالشاهد، قد تؤدي إلى الكشف عن بيانات الاتصالات الشخصية للآلاف من الأطراف الثالثة التي ليس لها أي صلة واضحة بالإجراءات.
وأضاف فريق الادعاء أنّ الدفاع لم يبيّن وجود أي رابط بين هواتف هذه الأطراف الثالثة وهواتف المستخدمين الأربعة يمكن أن يؤكد أهمية المضمون الكامل للرسائل النصية القصيرة لتحضيرات الدفاع للمحاكمة. وعَدّ الادعاء طلبَ الدفاع «محاولةً لتصيّد المعلومات».
وبالتالي ردّت غرفة البداية طلب الدفاع الكشف عن المضمون الكامل للرسائل النصية القصيرة الخاصة بالهواتف الأربعة.