لم يكن إفراج مجلس الإنماء والإعمار عن دراساته التي أُقر بموجبها مشروع سد بسري، على قدر تمنيات الناشطين المعترضين على المشروع. علماً بأنه كان استجابة لتوصيات لجنة الأشغال النيابية التي نظمت، في الرابع من نيسان الفائت، مناظرة بين أصحاب المشروع (المجلس والبنك الدولي) والجمعيات والناشطين. وتضمنت التوصيات «تزويد الرأي العام بالدراسات الجيولوجية والمالية تمهيداً لحسم مسألة الخطر الجيولوجي والزلزالي والإنزلاقات».فعلياً، كشف المجلس على موقعه الإلكتروني، منتصف الشهر الجاري (بعد 70 يوماً على المناظرة)، عن 36 تقريراً وُضعت بين 2011 و2016، فضلاً عن تقرير حول آثار المسح الزلزالي للخزان (Reservoir-Triggered Seismicity)، مؤرّخ في أيار 2019، أي بعد أشهر على بدء الأشغال التحضيرية للمشروع. فيما أكّد عضو الحملة الوطنية للحفاظ على المرج الباحث الجيولوجي طوني النمر وجود 56 تقريراً آخر «عمد المجلس إلى إخفائها».
الحملة عقدت أمس مؤتمراً صحافياً في نقابة الصحافة خصصته للرد على التقارير المنشورة وكشف مضامين ما خفي منها. في حوالي 10 آلاف صفحة، وجد النمر أن هناك تضارب مصالح لجهات تقف خلف معظم التقارير التي يعتدّ بها المجلس، أبرزها الخبير التركي مصطفى إرديك الذي يشغل منصب عضو اللجنة المستقلة لسلامة السد في البنك الدولي، وهو في الوقت نفسه خبير معتمد لدى مجلس الإنماء والإعمار ولدى شركة «نيوريل اوزالتن» التركية المكلّفة من المجلس تنفيذ الأشغال. ولفت أيضاً الى أن شركة «دار الهندسة» التي كلّفها المجلس تنفيذ دراسة الأثر البيئي لُزّمت تعهدات من ضمن مشروع السد وجر مياه الأولي إلى بيروت.
ومن ضمن ما اعتبرته الحملة «فضائح لا تغتفر»، ما أوردته التقارير عن «تصنيف فالق بسري بأنه غير ناشط زلزالياً وفرع من فالق روم». وأبرز النمر تقريراً أعدّته شركة «إي سي أي» الأميركية عام 1994، خلص إلى أن «فالق روم ممتدّ تحت موقع السد وتحت مجرى نهر بسري، ومتصل بفالق بسري»، مشيراً إلى وجود «فالق زلزالي متحرك تحت موقع السد». النمر حصل على التقرير الأميركي من مكتبة الجامعة الأميركية في بيروت، وليس من مجلس الانماء والاعمار الذي أغفل التقارير التي وضعتها شركات أجنبية لدراسة جدوى السد وآثاره المختلفة، بين 1974 و1998، مكتفياً بالدراسات الحديثة التي نفذتها الادارة الحالية بدءاً من 2011.
تضارب مصالح لجهات تقف خلف معظم التقارير التي يعتدّ بها المجلس


منسق الحملة، رولان نصور، صوّب على التناقض بين ما تعهد به المجلس وما يُنفّذ ميدانياً، «مثل الإدعاء بأن مياه السد ستصل إلى المنازل في بيروت وجبل لبنان عبر الجاذبية من دون حاجة إلى مضخات. والحقيقة أن المجلس أقر تنفيذ مضخات على طول مسار المياه من الدامور إلى بعبدا، ما سيضاعف لاحقاً تسعيرة المياه السنوية». ولفت الى أن التقارير التي أفرج عنها «لا تتضمن أي إشارة إلى آلية وكلفة تشغيل محطة الوردانية لتكرير المياه الآتية من السد قبل ضخها إلى بيروت وجبل لبنان». ومن بين التقارير، «يتضح بأن آخر تحليل لنوعيّة المياه التي ستجر الى بيروت يعود الى عام 2011»! وتوقف نصور عند المسح الجيولوجي الجزئي لأحراج المرج وبساتينه. إذ «تشير تقارير المجلس الى وجود 50 نوعاً من النبات فقط. علماً بأن وزارة البيئة صنّفته عام 1998 موقعاً طبيعياً».
وفي ضوء ما كشفته تقارير المجلس المفرج عنها، وما خفي منها، توجّهت الحملة الى الرؤساء الثلاثة «لفتح تحقيق عاجل في أسباب إخفاء الدراسات العلمية والإنتهاكات والإرتكابات والتلاعب في نتائج التقارير العلمية وتحريف الحقائق وتغيير الخلاصات العلمية حول وقوع سد بسري على فالق زلزالي ناشط». وطلبوا من رئيس الحكومة سعد الحريري كونه وصياً على المجلس «اعتباره فاقداً للثقة ولأهلية تنفيذ مشروع بهذه الخطورة».