في نهاية النهار الانتخابي الطرابلسي، يوم الأحد 14 نيسان، اعتقلت استخبارات الجيش ثلاثة شبان في جبل محسن. «جريمتهم» أنّهم كانوا داخل سيارتهم في «الجبل» يرفعون أناشيد للحزب العربي الديمقراطي وصور رئيسهم رفعت عيد. حجة اعتقالهم كانت أنّ هذا التصرف «سيستفزّ» أبناء طرابلس، أو النسبة القليلة منهم التي كانت تحتفل بفوز النائبة ديما جمالي. فعلى الرغم من انتهاء الأحداث الميدانية بين جبل محسن وباب التبانة، وجميع محاولات الجمعيات المدنية لردم الهوة بين الشارعين المتقابلين، إلا أنّ الانقسام والمتاريس غير المرئية لا تزال قائمة بين «البعل» من جهة، وباقي أحياء طرابلس (التي يُشكّل جبل محسن جزءاً لا يتجزأ من نسيجها) من جهة أخرى. وجميع القيادات الطرابلسية، رغم إدراكها أنّ «العربي الديمقراطي» لم يعد اللاعب الوحيد في تلك المساحة الجغرافية الصغيرة، تنظر إلى كلّ جبل محسن بنظرة واحدة: «جماعة سوريا». وبالمناسبة، خلال ساعات ذاك اليوم، كانت السيارة التي تحمل مُكبّراً للصوت وصوراً لجمالي تجوب شوارع المدينة، وصولاً إلى حاجز الجيش عند مدخل جبل محسن، من دون أن تُستفزّ مشاعر أحد.بعد ساعاتٍ من التوقيف، واستنفار قيادات «العربي الديمقراطي»، أُطلق سراح الشبان الثلاثة. عزّزت هذه الحادثة «شعور الظلم» لدى أنصار الحزب العربي في المنطقة، «وكأنه، في السابق، كان الجبل وحده من يُطلق النار». المقصود بكلام مصادر الحزب، جولات الاشتباك التي انتهت عام 2014 بتسوية إخراج رفعت عيد وقرابة 55 رجلاً معه من جبل محسن. ففور حصول أيّ تطور، تعود ذاكرة هؤلاء سريعاً إلى تلك الفترة، مُعتقدين بأنهم ما زالوا يدفعون ثمنها. إلا أنّ الرأي في «المدينة»، والذي يُعبّر عنه عددٌ من المسؤولين المحليين، يختلف عن ذاك المُقدّم في «الجبل». يقولون إنّ غياب الودّ تجاه جبل محسن لا علاقة له بجولات الـ2014، أو تفجيرَي التقوى والسلام، بل «يعود إلى سنوات طويلة، إلى زمن الوجود السوري في لبنان، والحرب الأهلية، والممارسات التي كان يقوم بها أنصار علي عيد».
حادثة 14 نيسان الانتخابية، أتت بعد قرابة أسبوعين من مرور خمس سنوات على ذكرى إخراج رفعت عيد من لبنان، الذي يُنظر إلى عائلته وحزبه كـ«الأب الروحي للطائفة العلوية في لبنان»، ولكن جرت «مساواته» ببقية قادة المحاور الطرابلسيين الذين كانوا يعتاشون من أموال السياسيين ورجال الأمن والعسكر الشماليين وسلاحهم. في 29 آذار، كتب رفعت عيد على «تويتر» و«فايسبوك»: «في هذا اليوم نكون قد قضينا 5 سنوات في سوريا الأسد. لأخصامنا في لبنان نقول: خطنا انتصر. للحلفاء في لبنان نقول: يللي استحوا ماتوا. لأهلي في جبل محسن وعكار أقول صدقوني أنتم أبطال في كل شيء».
زبدة المنشور ليست في الكلام الموجه إلى الأخصام أو أبناء جبل محسن، بل في تعبير عيد عن عتب من الحلفاء الذين كان ينتظر منهم تصرفاً مغايراً. أسهمه تُصيب مباشرةً حزب الله، ولو من دون تسميته، كونه الفريق الأقوى المعني بالموضوع، وهو الذي قاد تسوية خروج عيد من لبنان، ويُتابع ملف الموقوفين من «الجبل». فاعتراض عيد الأساسي هو على عدم «حلّ ملف المبعدين إلى سوريا والموقوفين في لبنان». تقول مصادر الحزب العربي إنّ «الـ55 رجلاً غادروا على أساس أنهم سيعودون بعد قرابة أسبوعين». طالت الفترة «والحجة دائماً أنّ الظرف المحلي والاقليمي غير مناسب لعودتهم». الجزء الأكبر منهم عاد إلى لبنان، بعد تسوية أوضاعه، ولكن لا يزال بينهم نحو 20 شخصاً في سوريا. «لماذا، وبعد كلّ الأحداث التي حصلت، من 7 أيار حتى تاريخه، لم يتعرض أحد، حليف أم خصم، لما واجهه أعضاء الحزب العربي الديمقراطي؟». يتلاقى سؤال المصادر مع منشور رفعت عيد، وتحميله مسؤولية «تقصير» في الملفّ للحلفاء، خاصة أنّ رفعت يعتقد (خاطئاً؟) أن حزب الله قادرٌ، داخل لبنان، على تنفيذ أي قرار يتخذه. ردّ المصادر يأتي دبلوماسياً، لغياب الرغبة في افتعال إشكال مع أحد، «ولأننا لا نُقارب الأمور إلا من منطلق أننا كلنا فريق واحد. ونتمسك بالحلف مع كلّ حزب حليف لسوريا، حتى ولو لم يكن معنا». وتضيف أنّه يوجد «تواصل يومي مع حزب الله، تحديداً الوزير محمود قماطي، في متابعة لقضية الموقوفين». ولكن لم يعد أحد «يقول فول» قبل التِماس مؤشرات عملية، «فمنذ سنتين، ونحن نتلقى الوعود من الجميع بأنّ ملف العفو العام وضع على الطاولة وسيشملنا، من دون نتيجة». وقبل الانتخابات النيابية في أيار 2018، استُخدم موضوع العفو كواحدة من أدوات المعركة الانتخابية. مصادر «العربي الديمقراطي» تزعم أنّها تلقّت، حينها، وعوداً من تيار المستقبل بإتمام العفو، مقابل الاقتراع للائحته. أُقفل الملف كما غيره من «الملفات الموسمية»، ولكن لدى مصادر الحزب العربي معلومات جديدة، معطوفة على كلام رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الدفاع الياس بو صعب، الذي قال قبل أيام إنّه «لا عفو عن أي شخص تلطّخت يداه بدماء الجيش أو المدنيين أو قوى الأمن»، تعتبرها مؤشراً إلى أنّ «ملف العفو وُضع على الطاولة مُجدداً، وسيشمل المُبعدين من شبابنا».
إلا أنّ المصادر تغفل عن أنّ أزمة رفعت عيد، والموقوفين، ليست محصورة في الجولات الميدانية، بل جزء منها يرتبط بتفجيرَي مسجدي التقوى والسلام. القرار الاتهامي صدر في الـ2016، من دون أن يتضمن أي إشارة مباشرة إلى الحزب العربي الديمقراطي. والمحامية هيام عيد (شقيقة علي عيد) «تقود معركة في المجلس العدلي، طالبةً الاستماع إلى عدد من الشهود، من دون أن يستجيب أحد لطلبها». رغم ذلك، ما زال الحزب «يوسم» بهذه الجريمة. لماذا عيد، دون غيره من المشاركين في أحداث أمنية، انتهت بتسويات سياسية، عليه أن يدفع الثمن؟ وبسبب الانتماء الطائفي أو الحزبي، يدفع إلى جانبه مئات الطرابلسيين والعكاريين الثمن، ويتم النظر إليهم، دون غيرهم، «كمجرمين»؟ ولماذا يُصبح مقبولاً أن يجتمع الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري وديما جمالي مع «قادة المحاور» في المدينة، للحصول على أصواتهم في الانتخابات، فيما لا يجرؤ أحد على متابعة حاجات جبل محسن والوقوف على خاطر أبنائه؟
تُدرك مصادر معنية في فريق 8 آذار «نقمة» عيد وحزبه على فريقها. لكنها تبدأ حديثها بالقول إنّ التسوية التي أوقفت الاشتباكات كانت تقتضي خروج رفعت عيد والشباب من البلد، «منهم من سُجن في لبنان، واشتغلنا على قضاياهم لحلها، فخرج القسم الأكبر من السجن». وتُستكمل متابعة الملفات المتبقية لدى المحكمة العسكرية. وتؤكد المصادر أنّ «ملفّ العفو، المُعقد أصلاً، غير مطروح حالياً. فريقنا لا يقبل بأن يشمل التكفيريين والمتّهمين بالعمالة، وفريق رئيس الحكومة لن يقبل بأن يشمل العفو رفعت عيد ورفاقه». يبقى ملفّ رفعت عيد الشخصي، «وهو صعب». تقول المصادر إنّ الفرق بينه وبين بقية الموقوفين السابقين، «أنهم سجنوا، في حين أنه خرج من البلد. ولن نُخاطر بأي خطوة لإعادة رفعت، تكون مشروطة بسجنه لفترة، ففي ذلك كسر له». النتيجة؟ «مش فاتحين الملفّ حالياً».