هل هذه حكومة وحدة وطنية أم حكومة اللون الواحد؟هذا السؤال تطرحه أوساط سياسية، بعد أربعة أشهر ونيّف على تأليف الحكومة، في أعقاب ما حصل في الأسابيع الأخيرة، من توتر سياسي أعقبه أول من أمس لقاء بين رئيس الحكومة سعد الحريري، والوزير جبران باسيل، مع ما رافقه من حيثيات أعادت الحريري إلى مربعه الأول إلى جانب العهد. واستطراداً: هل كان الأفضل للقوى السياسية «المعارضة»، كالحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية، في ظل ما يجري معهما، وفي ضوء تجديد الحريري «البيعة» للتسوية الرئاسية، أن يبقيا خارج هذه الحكومة، فتكون حكومة اللون الواحد فعلاً كما حالها اليوم؟ بعدما ظهر أن بقاءهما فيها مجرد ديكور لاسم من دون مضمون، فيما العمل الحكومي بات محصوراً في يد رئيس حكومة لا يمارس دوره، ورئيس التيار الوطني الذي يمارس كل الأدوار دفعة واحدة؟
منذ عام 2005 والسؤال يتجدد عند كل مشاورات تأليف الحكومة. لا الحريري قبِل بعد انتخابات 2009 بتشكيل حكومة موالاة فحسب، رغم إصرار فريق 14 آذار على ذلك، ولا الرئيس نبيه بري وحزب الله قبِلا تأليف حكومة من لون واحد، بل أصرّا على تأليف حكومة وحدة وطنية، خصوصاً بعد تجربة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الثانية، مهما كانت نتائج الانتخابات النيابية. علماً أن في خلفية إصرار الثنائي أمل وحزب الله على التمسك بإقرار نظام داخلي لمجلس الوزراء مقرّ بقانون، وهو ما يرفضه دوماً تيار المستقبل.
المشكلة التي تظهر يوماً بعد آخر، أن حكومة العهد الحالية، التي اشترط على تسميتها حكومة جامعة ووحدة وطنية، وسط إصرار القوى السياسية جميعها على أن تتمثل وفق أحجامها النيابية، لا تتصرف كحكومة وحدة وطنية بالمعنى الحقيقي، بدليل ما حصل أخيراً في نقاش الموازنة وتشعباتها، والكهرباء والنفط والبيئة والنازحين السوريين، وما سيحصل حكماً في التعيينات، فضلاً عن كل ما يتعلق بالخلاف في وجهات النظر حول الملفات الإقليمية. وهي ليست حكومة وحدة وطنية بفعل ما تشهده من توتر سياسي مطّرد بين أجنحتها، فتتعرض القوات اللبنانية لحملة مستمرة من التيار الوطني، رغم أنها سهّلت التسوية الرئاسية وتأليف الحكومة، وقبلت بحصة وزارية أقل مما كانت تطالب به، ويواجه الحزب التقدمي الاشتراكي بحملة ممنهجة في كل التفاصيل، ولو أن رئيسه وليد جنبلاط، حاول أن يتقرب من رئيس الجمهورية ويترك له وديعة وزارية يرتضيها، وأن يقف إلى جانبه ويسهّل تأليف الحكومة. لكن في المقابل، يرتدّ عليه العهد والتيار الوطني الحر كل يوم في كل الملفات، سواء التي تتعلق بالجبل أو شرايين الحياة السياسية. ويخوض التيار في المقابل حملة سياسية ضد جميع خصومه وحلفائه على السواء، ويتفرد بإدارة كل الملفات التي تخصّ وزاراته، ويتدخل حتى في تلك التي لا تخصها.
رغم محاولات القوات والاشتراكي لتزيين أهمية المشاركة في الحكومة، فإن ما جرى حين رفع الوزير جبران باسيل كل السقوف في وجه الجميع، وآخرهم تيار المستقبل والحريري، وما تبعها من شبه انتفاضة حريرية لا لون لها ولا طعم، طرح مجدداً ضرورة تقييم الحكومة الحالية من وجهة نظر أنها حكومة لون واحد بغطاء القوات والاشتراكي. والسؤال، هل كان يمكن أيّ اشتباك بين الحريري وباسيل أن يُبقي حكومتهما المشتركة قائمة، لو ارتفع التوتر بينهما على خلفية سياسية وطائفية، وهما وحدهما في حكومة تشبه التسوية التي قاما بهما وحدهما؟ وهل كان لتأجيج الخطاب الطائفي وتصعيد شخصيات سُنية لهجتها ضد باسيل، أن يمرّ عابراً لو كانت الحكومة حكومة موالاة فحسب للعهد؟ وهل كان يمكن حكومة ينفرد بها فريق واحد، ويتغنى بذلك صباحاً ومساءً، أن تصمد لو كان «القوات» و«الاشتراكي» خارج الحكومة وفي صفوف المعارضة، رافعين صوتاً معترضاً بقوة على كل ما يجري، مع غيرهما من بعض الشخصيات المستقلة؟
حين تعثّر تشكيل الحكومة الحالية بعد الانتخابات عام 2018، طرح رئيس الجمهورية ميشال عون اقتراحاً «عملياً» لتأليف حكومة أكثرية إذا لم تسارع القوى السياسية إلى الارتضاء بما هو مرسوم لها وتشكيل حكومة وحدة وطنية. سارع الجميع إلى لملمة التلويح العوني، ورفض الحريري حكومة أكثرية مؤكداً تمسكه بالقوات والاشتراكي وأن لا حكومة من دونهما. الأكيد أن رئيس الجمهورية كان، ولا يزال، واضحاً في خياره بين المعارضة والموالاة، وهو الذي خبرها أكثر من مرة بعدم تمثله في الحكومة وقيادته معارضة من خارجها. وهو وباسيل يمارسان حكم الأكثرية من ضمن حكومة وحدة وطنية من دون مواربة. المشكلة كانت ولا تزال عند رئيس الحكومة، الذي أصرّ على حكومة من مختلف الأطراف، لكنه في النهاية يمارس مهماته وكأنه على ضفة رئيس الجمهورية ومرشحه الرئاسي، متخلياً بوضوح وبعناد عن حليفيه السابقين. والمشكلة الثانية تكمن في أن «المعارضة» داخل الحكومة تصرّ على أن وجودها ضروري في الحكومة، حتى لو لم يقتنع أحد بذلك إلا هي. والمشكلة الثالثة أن السلطة الإجرائية «التنفيذية» بشقيها الرئاسي والحكومي، صارت في يد فريق واحد. وحدها السلطة التشريعية لا تزال في منأى عنه، لأسباب تتعلق بثنائي حركة أمل - حزب الله أولاً وآخراً.