ترتفع حدة المخاوف من احتمال خفض وكالة «ستاندر أند بورز» تصنيف لبنان. هذه المخاوف التي يعبّر عنها وزراء ومسؤولون معنيون بالأوضاع المالية، ليست متصلة حصراً بالتأخّر في إقرار الموازنة والإصلاحات المفترضة فيها، بل بتدهور الوضع المالي والتطورات السلبية في المنطقة أيضاً. فالوكالة أعلنت في آذار الماضي، يوم إصدار تقرير عن توقعاتها المستقبلية للتصنيف وتعديل نظرتها من «مستقر» إلى «سلبي»، أن خفض التصنيف إلى مستويات «الخردة» مرتبط بأمرين:- إذا كانت الحكومة غير قادرة على الولوج إلى الأسواق الدولية للاستدانة لفترة طويلة، وربما يستدلّ على هذا الأمر بتنفيذ مصرف لبنان المزيد من الهندسات المالية.
- إذا تدهور الوضع السياسي والاقتصادي، وانعكس هروباً للرساميل من لبنان، أو سجّلت معدلات نموّ الودائع تباطؤاً بالإضافة إلى انعكاس ذلك على الاحتياطات بالعملات الأجنبية (لدى مصرف لبنان) بما يشكّل تحدياً لقدرة البلد على تغطية ديونه.
اليوم، بدأت التحديات تظهر بالجملة. ففي وقت كانت فيه الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة تشهد مزيداً من التدهور بعد الضربات التي تلقتها ناقلات النفط في خليج عُمان، بدأت تظهر مؤشرات مالية محلية سلبية، إذ سجّل ميزان المدفوعات عجزاً بقيمة 3.3 مليارات دولار في الأشهر الأربعة الأولى من السنة الجارية، ويقدّر أن يرتفع العجز إلى 5 مليارات دولار في الأشهر الخمسة الأولى، كذلك فإن معدل نموّ الودائع سجّل انكماشاً بنسبة 1%، ما يعني أن هروب الودائع مستمر ومتواصل، وأن الأموال التي تخرج من لبنان أكبر حجماً من تلك التي تدخل إليه، علماً بأن معدلات الفوائد على الودائع بلغت مستويات قياسية وباتت تفوق الـ12% على الودائع بالليرة، و10% على الودائع بالدولار. وهذه المعدلات لا تسري على كامل محفظة الودائع لدى المصارف، وإنما هذه المحفظة تشهد ارتفاعاً تدريجياً في معدلات الفوائد يتناسب مع استحقاقات الودائع المجمّدة.
هذه المخاوف المتعلقة بإمكان خفض وكالة «ستاندر أند بورز» تصنيف لبنان في آب أو تشرين الأول المقبلين، يعبّر عنها وزراء ومسؤولون، مذكّرين بأن وكالة «موديز» سبق أن أصدرت تقريراً يخفض تصنيف لبنان درجة واحدة من (B3) إلى (Caa1)، أي أن الوكالة خفضت التصنيف من رتبة B إلى رتبة C، ما يعني بحسب الوكالة أن التصنيف يعكس خطورة ائتمانية عالية. وفي المقابل، اكتفت «ستاندر أند بورز» بخفض النظرة المستقبلية إلى «سلبي»، وحافظت على رتبة لبنان في مستويات الـ(B).
وإذا قرّرت «ستاندر أند بورز» خفض التصنيف إلى مستويات (C)، فإن هذه الخطوة ستكون مؤشراً سلبياً جداً يفرض على لبنان الانغماس أكثر في وتيرة الانكماش الاقتصادية تداعياته خطيرة، إذ يفرض هذا الأمر على المصارف أولاً أن ترفع قيمة المؤونات التي تأخذها في ميزانياتها تجاه سندات اليوروبوندز في محفظتها، فضلاً عن أنه يفرض عليها أيضاً أن ترفع معدل تغطية الملاءة المالية، لأن مصرف لبنان حدّد معدل الملاءة المالية للمصارف بنسبة 15%، وهي نسبة بلغتها غالبية المصارف، إلا أن خفض التصنيف والمؤونات التي ستترتب عنه، سيخفض المعدلات لدى المصارف إلى 12%، ما يعني أن عليها أن تقتطع نحو 1.5 مليار دولار من أموالها من أجل رفع نسبة الملاءة إلى 15% مجدداً.
في السياق نفسه، شهدت أسعار سندات اليوروبوندز تدهوراً في الأسعار والفوائد والهوامش. السندات ذات الأجل القصير، أي التي تستحق عام 2021 انخفضت أسعارها في تداولات أمس، بنسبة 0.7% لتبلغ 93.3 دولاراً، أي أقل من سعر إصدارها بقيمة 6.7 دولارات. والسندات التي تستحق عام 2028 انخفضت أسعارها بنسبة 0.63% لتبلغ 74.5 دولارات، أي أقل من سعر إصدارها بقيمة 25.5 دولاراً. أما السندات الطويلة الأجل، مثل تلك التي تستحق عام 2037، فقد شهدت انخفاضاً في السعر بنسبة 0.59% لتبلغ 72 دولاراً، أي أقلّ من سعر إصدارها بقيمة 28 دولاراً.
بعض المطلعين على السوق، يشيرون إلى أن سبب هذا التدهور في أسعار سندات اليوروبوندز المطروحة للتداول في الأسواق الدولية، يعود إلى الأنباء المسرّبة عن احتمال خفض التصنيف، بالإضافة إلى تدهور الأوضاع السياسية في المنطقة والتأخر في إقرار الموازنة وعدم رضى الأسواق عن «الإصلاحات» التي تضمنتها الموازنة والتي تعدّ عنصراً رئيسياً لتمكين لبنان من الحصول على قروض «سيدر» ولاستعادة ما يسمى «الثقة بالسوق اللبنانية، إذ إن هذه الثقة ضرورية لجذب التدفقات من الخارج».