واحد، اثنان، ثلاثة، عشرة، عشرون، واحد وخمسون، ألفان وواحد، إلخ. في الزنزانة الواحدة ظهراً مثل الرابعة فجراً ومثل الثامنة ليلاً. عين سهى هي قلبها. وقلبها أبيض مثل قلب لوركا وفي حجم يده. قلبها ساعة الحائط، وظهر المعتقلة الملتصق ببرد الزنزانة، هو الحائط. الزنزانة صندوق، والصندوق كان بشراً في الأساس. أما الزنزانة فلن تصير منزلاً في حياتها. المعتقلون، عندما يتذكرون، يسمعون نباحاً. واحد، اثنان، ثلاثة، عشرة، عشرون، واحد وخمسون، ألفان وواحد، إلخ. الأصوات تتكرر، لكن لا حناجر. الزنزانة لا تتوقف عن ابتلاع الهواء. بين المبنيين الأساسيين في المعتقل، ساحة للعربات الضخمة، وفي المنتصف عمود التعذيب: عظمة ضخمة للجلادين، الذين ينبحون فوق أجساد ضحاياهم.
نوال عبود ــ «جنوب لبنان» (1978)

كانوا في الداخل، يرتدون الظلام. وعندما فُتحت الزنازين، وجد الفاتحون وجوهاً مستعملة. لكنها بدت جديدة. أبو علي حطم 9 زنازين. دعاء كانت في العاشرة، تخيفها رائحة المكان. على الأرض صحف بالعبرية، وبقايا الهاربين. وثمة من راح يجمع ثياب المعتقلين، الذين كانوا في الداخل، يرتدون الظلام. زارت هبة المعتقل. دخلت إلى زنزانة أقام فيها شقيقها في 1986. أغلقت الباب قليلاً. جلست خمس دقائق، وغادرت الزنزانة، لكي تبكي. إلى اليمين، غرف التعذيب. في هذه الغرفة أقامت سهى. وهذه الساحة في المنتصف، حيث ذهبت الأصوات إلى حيث تذهب. قبل كل شيء، كان المدخل، ويعرف بالبوابة الخارجية. يميناً، غرف المقابلات، حيث ينتهي الوقت قبل أن يبدأ. بعد البوابة، خزان المياه الكبير. وهذا ما زال موجوداً. رُمِّم قبل سنوات. الخارجون في ذلك اليوم، رمموا وجوههم بالشمس. انسحبوا بعد ضجيج الأيام الأولى، إلى بيوت فيها نوافذ، وإلى نوافذ تنام تحتها أسرة وحيدة. مقابل البوابة تماماً، أول المدخل، كانت غرف الجنود. وكان هناك مطبخ تتفرع منه غرف صغيرة. في الجهة الثانية، مكاتب الجلادين والذين يعملون في الأرشيف والتسجيل. واحد، اثنان، ثلاثة، عشرة، عشرون، واحد وخمسون، ألفان وواحد، إلخ. في الداخل، يعدون أصابعهم ويأكلونها بلا ندم. مبانٍ كثيرة بزنازين كثيرة، في الواجهة أيضاً، عمود للتعذيب.
الجليل والجولان خلف المعتقل تماماً. لكن لا نوافذ. ذهبت الزنازين وذهبت الجدران، لكن هل ذهب المعتقل؟ لا نوافذ بعد، وفي دم السهل القريب يمشي النهر الملوث.