واحدة من أهم دلالات الحديث الإسرائيلي المتكرر عن قدرات حزب الله العسكرية واستمرار تعاظمها الكمي والنوعي، هو إقرار إسرائيل، عمليا، بأنها فشلت (وحلفاءها) في تحقيق أهداف المعركة التي تقودها منذ سنوات، في منع هذا التعاظم.والأهم في الإقرار العملي بالفشل، الذي لا يلغي بطبيعة الحال «المعركة على القدرة» التي ما زالت إلى الآن تخاض إسرائيلياً بصمت في لبنان و بصخب خارجه، أنها لم تتحول إلى معركة صاخبة في الساحة اللبنانية تحديداً، وامتناع إسرائيل عن استخدام الخيارات العسكرية، المحدودة منها أو الموسّعة، وهو الغاية التي سعى اليها حزب الله من خلال تعاظمه العسكري.
ويتبين من حديث إسرائيل، أن قدرة حزب الله باتت مغايرة جداً لما كانت عليه عام 2006، وتحديداً ما يرتبط بالتدمير والإيذاء الذي بات أخيراً مصحوباً بدقة التوجيه والاستهداف الموضعي، الأمر الذي يستتبع من إسرائيل الامتناع عمّا يتسبّب في إثارة هذه القدرة واستفزازها، وهو ما يصطلح عليه بـ«الردع».
ولا يغيّر شيئاً في معادلة الردع أن لإسرائيل قدرة إيذاء وتدمير بمستوى أعلى ممّا لدى حزب الله، إن كان الثمن المتوقع أن تتلقاه هي كافياً لمنعها من الاعتداء في لبنان. وهو ما يصطلح عليه بـ«تعادل الردع» في ظل تفاوت القدرات.
قبل أيام، حذر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، غادي آيزنكوت، الذي غادر منصبه يوم 15 كانون الثاني 2019، من إمكان نشوب حرب في مواجهة حزب الله، مطالباً بضرورة العمل على منعها مسبقاً. آيزنكوت الذي كان يتحدث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، قال إن «هذه الحرب ستكون صعبة للغاية لدى الجانبين، ومن المهم جداً لإسرائيل أن تقوم بكل ما يمكن فعله لمنع نشوب هذه الحرب، وذلك خدمة لمصلحة السكان على جانبي الحدود».
وآيزنكوت نفسه، للمفارقة، صاحب استراتيجية التدمير واستهداف المدنيين والبنية التحتية وتدمير القرى والبلدات اللبنانية في الحرب المقبلة، ضمن «عقيدة الضاحية» التي أعلنها عام 2007. إلا أن معطياته كرئيس أركان خرج من منصبه في الشهر الأول من عام 2019، باتت تفرض عليه هذه المقاربة المغايرة، المبنية على تعاظم سلاح حزب الله وردعه، وطلب الهدوء ومنع الحرب، خشية أثمانها.
و«لكي يدرك الجمهور الإسرائيلي تهديد حزب الله وما سيواجه في حرب لبنان الثالثة إن نشبت»، تعرض هذه الأيام القناة الـ١٣ العبرية سلسلة تقارير عن جاهزية حزب الله وقدراته العسكرية وما تجمع لدى الاستخبارات العسكرية من ترجيحات حول تكتيكاته، المفترض أن يتبعها في الحرب، بعد «الخبرة الغنية» في القتال في سوريا.
بات على الجيش الإسرائيلي أن يخصّص قوات النخبة للعمل الدفاعي!


والسلسلة التي تنتهي في تسليط الضوء على الاستعداد الإسرائيلي المقابل، تتعرض لجاهزية الجبهة الداخلية للعدو، التي كانت وما زالت محلاً للتساؤل والشكوك حولها، على أنها «الخاصرة الرخوة» في الحرب المقبلة.
ترد في التقرير شهادات لكبار الضباط الإسرائيليين، حول الاستعداد والجاهزية المتقابلتين، ومنها حديث القائد السابق للفيلق الشمالي في الجيش الاسرائيلي، غرشون هاكوهين، الذي دعا إلى ضرورة تقدير قوة حزب الله، بناءً على خوضه القتال في سوريا إلى جانب الروس والإيرانيين والسوريين، ما أكسبه خبرة غنية. وقال: «في السنوات الأخيرة من القتال في سوريا، لم يقاتل حزب الله وحسب، بل مرّ أيضاً بتجربة قتالية متقدمة للغاية، مع تدريب روسي وإيراني، وقتال على مستوى الألوية، بهجمات منظمة ومنسّقة بما يتعلق بالقوات والمناورة والاختبار الناري». أضاف هاكوهين: «في ما يتعلق بالتكتيكات الحربية، كنت لأعطي عناصر حزب الله جائزة نوبل في الإبداع، إذ إنهم وضعوا الجيش الإسرائيلي في معضلة، بحيث بات عليه أن يخصص قوات النخبة للعمل الدفاعي، جراء الخطط الهجومية لحزب الله، ما يبقي القدرة الهجومية الإسرائيلية محصورة بسلاح الجو».
وفيما أكد نائب قائد الفيلق الشمالي موشيه تامير أن حزب الله يخطط لمواجهات مبنية على استشراف مستقبلي للقدرات ومبنى القوة وتشغيلها، عاد اللواء هاكوهين ليشير إلى أن حزب الله «استطاع، بالفعل، تحقيق توازن استراتيجي مع إسرائيل، وهو الأمر الذي سعت إليه سوريا منذ عام 1982».
الباحثة في معهد دراسات الأمن القومي، الرئيسة السابقة لقسم الأبحاث في الموساد، سيما شين، أكدت «حقيقة أن حزب الله هو التهديد الأكثر خطورة على إسرائيل بعد تعزز قدراته في العقد الأخير على نحو كبير جداً». وأشارت إلى أن حزب الله الذي اكتسب خبرة عملانية (عسكرية) كبيرة جراء قتاله في سوريا، بات الآن لاعباً إقليمياً، و«إضافة إلى كونه عاملاً مهماً في سوريا، الروس يتحدثون إليه، والإيرانيون يعتمدون عليه، و(الرئيس السوري) بشار الأسد يعتمد عليه، وهو في وضع أفضل مما كان عليه إقليمياً، وبالتأكيد في لبنان أيضاً».
في الحرب المقبلة إن نشبت، وهو احتمال ضعيف كما تؤكد تقارير القناة، سيكون الوضع مأسويا في إسرائيل: «في حرب لبنان الثالثة، لن يكون لدى الإسرائيليين مكان للهروب اليه، فتل أبيب ستُقصف بعشرات الصواريخ الثقيلة يومياً، فيما تقصف حيفا بالمئات منها يومياً، أي صاروخ ثقيل كل عدة دقائق، أما المطار فسيكون مغلقاً وكذلك الموانئ» ولا سبيل للهروب من «إسرائيل».