16 يوماً مرّت على مداهمة أمن الدولة لوزارة الخارجية والمغتربين، للتحقيق في تسريب محاضر دبلوماسية إلى «الأخبار» (نشرتها يومي 19 و24 نيسان 2019). حصل ذلك بعد ادّعاء قدّمه الوزير جبران باسيل أمام النيابة العامة الاستئنافية في بيروت، «ضدّ مجهول»… من دون أن يكون «مجهولاً» تماماً، بالنسبة إلى صاحب الادعاء. فوزير الخارجية والمغتربين، وجزء من فريق عمله، وجميع المسؤولين عن التسريبات الكاذبة للتحقيق الذي أجراه «أمن الدولة»، باشروا عملهم منطلقين من «نتيجة» مسبقة. عمّموا «صورة المجرم»، وبدأوا بثّ دعاية لتشويه سمعة السفير علي المولى (مدير الشؤون العربية في «الخارجية»)، حتى قبل أن تحيل النيابة العامة نتيجة التحقيقات الأولية على قاضي التحقيق.تعليب الاتهام ضدّ المولى، أتى بعد أشهر على قول الوزير له أمام زملائه الدبلوماسيين إنّه المسؤول عن كلّ التقارير الصحافية، السابقة واللاحقة، التي تنشرها «الأخبار» عن الوزارة! وكان مستشارون لباسيل يُروّجون منذ الساعات الأولى لـ«غزوة الخارجية» يوم 6 أيار، أنّ «المتهم أصلاً معروف». لم تكن «الهمروجة الأمنية» سوى للإيحاء بأنّه تمّ القبض على «المجرم»، والسيطرة على «أمن» الوزارة من أي خرق مستقبلي، والأهم لإبعاد أي تهمة تسريب عن مقرّبين من الوزير. بدا من مجرى الأمور أنّه أهون على باسيل أن يُغطّي إهانة دبلوماسيين، هم ممثلو رئيس الجمهورية في الخارج، من أن تُظهر التحقيقات الإدارية الهادئة أنّ مُسرّب المحاضر (إلى جهات عديدة، وليس إلى «الأخبار») من «أهل البيت» الحزبي. ولأجل ذلك، كان التذرع بـ«دلائل» ظنية للادعاء على المولى، كصداقته التي جاهر بها مع إبراهيم الأمين وعاملين في «الأخبار»، ومبادرته إلى إطلاع «أمن الدولة» على أنّه يملك في منزله نسخاً مصورة عن التقارير (إضافةً إلى محاضر أخرى) ودعوة المحققين إلى الذهاب إلى البيت للتأكد من ذلك.
لا يمكن تجاهل معطيات وردت في التحقيقات وأخرى ستُوضع أمام القاضي


كان البعض «يتمنّى» أن يُختم الملفّ بإلباس المولى رداء «المُدان»، إلا أنّ ظهور معطيات جديدة «خيّب الآمال». فلم يكن من الممكن تجاوز قول أحد السفراء، لمحققي أمن الدولة، إنّ المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي أرسل له المحاضر الدبلوماسية قبل وصولها إلى الوزارة، كما لا يمكن تجاوز معطيات ستوضع في عهدة قاضي التحقيق، كواقعة أنّ نسخة التقارير «المسرّبة» التي استحصلت عليها «الأخبار» ممهورة بالختم الأزرق ومُرسلة بصيغة الـPDF، أي إنها سُرّبت وهي في طريقها من واشنطن إلى بيروت، قبل أن تُسجّل في «الخارجية» ويحصل المولى، وغيره من المديرين، على نُسخ منها. على الأثر، بدأت عملية نزول جميع من شيطنوا المولى عن الشجرة. عقد باسيل مؤتمراً صحافياً طلب فيه توسّع التحقيق ليشمل أكثر من جهة، مؤكداً أنّه يتمنى أن يكون المولى بريئاً. وتوقفت ماكينة الشائعات عن بثّ الأخبار الخاطئة لتوجيه التحقيق. أما المسار القانوني للقضية، فسينطلق التاسعة والنصف من صباح اليوم. ستُعقد جلسة استجواب للمولى عند قاضي التحقيق الأول في بيروت غسان عويدات، وسيتم خلالها الاستماع إلى شهادة ثلاثة سفراء في الإدارة المركزية، وموظف إداري، خضعوا أيضاً للتحقيق في 6 أيار.
يقول الوكيل القانوني للمولى المحامي حسن بزّي إنّ «احتمالات جلسة اليوم مفتوحة، بين طلب الاستمهال لإتمام الدفوع الشكلية والاطلاع على الملف، أو الاستجواب، كل شيء مرهون بالظروف التي سترافق الجلسة». الشهود الذين سيُستمع إليهم اليوم ليسوا الوحيدين، بل سيُضاف إليهم شهود آخرين، دبلوماسيون وسياسيون وصحافيون، مطلعون على القضية وتفاصيلها، سيطلب الدفاع الاستماع إليهم لاحقاً.