أكثر من 70 في المئة من غابة المتين (قضاء المتن) مُهدّدة بالتدمير بسبب مشروع لإنشاء مدينة صناعية. هذا ما يؤكده ناشطون من أبناء البلدة، وما ينفيه رئيس بلديتها زهير بو نادر، مؤكداً أن «المشروع الحلم» سيطال 80 ألف متر مربع فقط من الغابة (10% من مساحتها) التي صُنّفت محمية العام الماضي.المشروع يأتي ضمن خطة لـ «إنشاء مناطق صناعية حديثة (...) عبر شبكة من الطرق والخدمات الملحقة من مياه وكهرباء وصرف صحي ومعالجة نفايات صناعية»، وفق كتاب وجّهه المدير العام لوزارة الصناعة داني جدعون الى بلدية المتين (3423 تاريخ 6/11/2017)، مؤكّداً أن المشروع «سلك طريق التنفيذ بتمويل من الحكومة الهولندية».
ناشطون من أبناء البلدة أرسلوا كتاباً الى وزارة ​البيئة​ العام الماضي مرفقاً بدراسة قانونيّة تبيّن أن إنشاء المنطقة الصناعيّة مخالف لقانون المحميّات. وقد حوّل وزير البيئة السابق ​طارق الخطيب​ الكتاب الى هيئة التشريع والاستشارات في ​وزارة العدل​، التي أكّدت (13/2/2018) أنه «لا يمكن إنشاء منطقة صناعية في مشاع بلدة المتين»، وأن العقارين 3954 و3955 يضمان «غابة كثيفة من الأشجار المتلاصقة والمتنوعة (...) وأنواعاً من الأشجار الغريبة». واستناداً الى ذلك، أعلن وزير الزراعة السابق غازي زعيتر في 08/06/2018 «حرش الضيعة» القائم على العقارين غابة محمية تخضع لأحكام قانون حماية الغابات.
حتى الآن، لم تسعَ بلدية المتين الى إجراء دراسة الأثر البيئي للمشروع وفق ما تقتضيه القوانين، فيما يؤكّد المحامي جهاد بو نادر، الموكل من مخاتير الضيعة، أن أعضاء المجلس البلدي «لم يكونوا على علم بقرار استثمار أكثر من 70% من مساحة الغابة المحمية»، وأن رئيس البلدية «أخفى كتاب جدعون عنهم ولم يطرح توسعة المنطقة الصناعية في المجلس. وفي الوقت نفسه، أشاع بأن المشروع سيطال 80 ألف متر مربع فقط من الحرج فيما تُشير كل المعطيات الى أن المنطقة الصناعية ستستثمر نحو 600 ألف متر مربع من الغابة التي تبلغ مساحتها نحو 800 الف متر مربع». وما يؤكد أن المدينة ستقام على غالبية مساحة الغابة هو اشتراط الهبة الهولندية ان تكون العقارات ملكا للبلدية او للوقف، و«معارضة رئيس البلدية الشرسة لاعلان الحرج محمية لأن من شأن ذلك أن يعرقل المشروع».
رئيس البلدية، من جهته، لا يخفي اعتراضه. في اتصال مع «الأخبار»، وصف اعلان حرش المتين محمية بـ «غير المُبرّر» و«غير القانوني» لأن «الحرش لا يخضع لأحكام قانون حماية الغابات بعكس ادعاءات الوزير». وقال إن مختارين من أصل ثلاثة من البلدة المتين قدّما «إفادة كاذبة لوزارة الزراعة تفيد بأن العقارين يضمان غابة كثيفة من الأشجار (...) قرار وزير الزراعة بُني على إفادة كاذبة وهو، بالتالي، مبني على باطل». «الريس» بو نادر لفت الى أن إقامة المنطقة الصناعية «حلم قديم كان عليه إجماع وطولبت البلديات المتعاقبة بتنفيذه. لكن هناك من يدّعي اليوم أن المنطقة ستنشأ على كل حرش الضيعة لإخافة المواطنين وتحريضهم ضد البلدية». وأوضح أنّ المنطقة التي سيقام فوقها المشروع ملاصقة لحرش الضيعة وصُنّفت صناعية بموجب قرار المجلس الأعلى للتنظيم المدني رقم 11 في 24/3/2010. وعزا كل هذه الضجة الى «معارضة سياسية محلية وانتخابية للبلدية».

تزوير وتعدّ على الأملاك العامة
والواقع أن الخلافات بين رئيس البلدية ومعارضيه لا تقتصر على المنطقة الصناعية. ففي أيار من العام الماضي، ادّعت النائبة العامة الإستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون على بو نادر بجناية التزوير والتعدي على الملك العام والشهادة الكاذبة، ورفع محافظ جبل لبنان محمد مكاوي الحصانة عنه. كما ادّعت الدولة اللبنانية، ممثلة بهيئة القضايا في وزارة العدل، على بو نادر امام قاضي التحقيق في جبل لبنان ساندرا المهتار التي قررت ضم الدعوى الى ادعاء النيابة العامة الاستئنافية.
وفي التفاصيل، فقد تقدّم مختارا البلدة وليد القنطار ومارون الناكوزي، في أيلول 2017، بطلب أمام القاضي العقاري في جبل لبنان لبيب سلهب لإعادة تكوين خريطة الأملاك العامة لينابيع البلدة، بعدما تبيّن في تقرير أعدّه خبير مكلّف من القضاء أن الخريطة التي تستند اليها البلدية لمنح تراخيص البناء وشق الطرقات مزوّرة وتم التلاعب فيها، ما أدّى إلى تدمير جزء كبير من الينابيع والاملاك العامة المحيطة بها.
بسبب التزوير والتلاعب فإن نحو 22 نبعاً من بين 36 نبعاً في البلدة باتت تقع ضمن أملاك خاصة


القاضي سلهب اعتبر أن التقرير يتضمن جرائم ويستدعي اعتباره بمثابة إخبار الى النيابة العامة الإستئنافية. فقد أظهر تعرّض خريطة المرسوم الجمهوري k/2782 المتعلّقة بتحديد الاملاك العامة حيث ينابيع البلدة والحرم المحيطة بها للتحوير، ما أدّى الى تقليص مساحة هذه الاملاك وخلق عقارات وهمية. كما تبيّن أن هناك تعديات على نحو 30 ألف متر مربع من الأملاك العامة، وعلى 75 ألف متر مربع من أملاك الحرم المحيطة بالاملاك العامة والممنوع البناء عليها. وتُشكّل هذه المساحة نحو 56 عقاراً. كذلك سجّل التقرير تعديات على مجرى المياه ومنح تراخيص على الأملاك العامة. وخلص الى انه بسبب التزوير والتلاعب، فإن نحو 22 نبعاً من بين 36 نبعاً في البلدة باتت تقع ضمن أملاك خاصة. ومن بين 19 خزان باطون عمومي للمياه، تبيّن أن 12 منها أيضاً باتت ضمن «أملاك خاصة»! وفي 16 نيسان الماضي، اتخذ القاضي العقاري في جبل لبنان يوسف الحكيم قرارا بإعادة تشكيل خريطة الاملاك العامة للينابيع في البلدة، «الأمر الذي يُثبت مسألة تزوير الخريطة ويفتح باباً لمساءلة الجهات المعنية، وأولها البلدية، حول حجم تورّطها في هذه المسألة»، وفق المحامي بو نادر.
هذه كلها يضعها رئيس البلدية في إطار «الشائعات المُغرضة التي لا مبرر لها». واتهم المختارين القنطار والناكوزي «لأسباب شخصية وسياسية» بـ «تسويق شائعات بعد أكثر من عشر سنوات على اختتام اعمال المساحة، بأن أعمال التحديد والتحرير لم تتقيد بالمرسوم رقم 2782 ما تسبب في تقلص مساحة الاملاك العامة». ووصف «كل ما يشاع» عن خريطة الينابيع والأملاك العامة بأنه «مُفتعل من المختارين. وإذا سلّمنا جدلا بأن تقرير الخبير صحيح، فإن ذلك حصل في عهود سابقة، ناهيك عن ان القانون واضح في نصه على أن المسّاح ينظّم محاضر التحديد والخرائط بحضور المختار والمالكين، ولا علاقة لرئيس البلدية بالأمر».



مياه الضيعة ملوثة!
في 15/12/2016، أعدّ الخبير الدكتور جهاد عبود المُكلّف من قاضي العجلة في المتن القاضي انطوان طعمة تقريرا حول مياه المتين، استند الى فحوصات أجراها فريق من الجامعة الأميركية في بيروت، وخلُص إلى أن نبع بقليع الذي يُغذّي البلدة بمياه الشفة ملوّث بمياه الصرف الصحي لعدد من الفلل الموجودة على عقارات تقع ضمن حرم الاملاك العامة لينابيع البلدة. ويبلغ عدد هذه العقارات الممنوع التشييد عليها نحو 18 عقارا.
رئيس البلدية نفى ذلك مؤكداً أن «تراخيص البناء قبل صدورها يتم التأكّد من قانونيتها ولا تعطى الا بعد كشف فني للتنظيم المدني». فيما يلفت المحامي بو نادر الى أن «التراخيص تُمنح من رئيس البلدية، أما التنظيم المدني فيعطي موافقات فنية»، لافتاً الى أن المعنيين بهذا الملف في التنظيم المدني «موضع ملاحقة حالياً بعدما تبيّن أنهم أعطوا إفادة تخطيط مضلّلة تُفيد بعدم وجود اشارات على العقارات وعدم إصابتها بأي تخطيط على خلاف الإفادات العقارية».


زرع محرقة داخل الغابة؟
يتخوّف ناشطون في البلدة من أن تتضمّن المدينة الصناعية المزمع «زرعها» في الغابة إنشاء محرقة للنفايات. يستند هؤلاء الى ان كتاب المدير العام لوزارة الصناعة أشار الى «معالجة النفايات الصناعية». أحد الناشطين قال لـ «الأخبار» إن حضور الوزير السابق فادي عبود غالبية الاجتماعات واللقاءات التي يعقدها رئيس البلدية مع المعنيين توحي بذلك، كون عبود سبق ان حاول وضع محرقة في بلدة ضهور الشوير المجاورة من دون أن ينجح. فيما شدّد رئيس البلدية زهير بو نادر على أن «تصنيف المنطقة يمنع إنشاء محارق، وهذا أمر نرفضه رفضاً قاطعاً».