قالها وزير المال علي حسن خليل لوزير العمل كميل أبو سليمان ولرئيس الاتحاد العمالي العام بشّارة الأسمر (على ذمة مصادرهما) اللذين التقياه أمس: «البعض لا يزال يدفع باتجاه رفع الضريبة على القيمة المضافة إلى 15 في المئة ورفع سعر صفيحة البنزين خمسة آلاف ليرة». وتلك إجراءات كان قد نفاها رئيس الحكومة سعد الحريري، عقب الكشف عنها في «الأخبار»، فهل في الحكومة من يسعى إلى إعادة تعويمها، لمواجهة فشل خطة خفض الرواتب؟حتى الآن، لا نقاش جدياً في هذه الخطوة، لكن طرحها أثار قلق الاتحاد، بالرغم من التصريحات الإيجابية التي تلته.
انعقاد الاجتماع أمس، في اليوم الأول من الإضراب الذي دعا إليه الاتحاد العمالي لمدة ثلاثة أيام، شكّل خطوة أولى في مسار مواجهة الإجراءات التي تتضمنها الموازنة وتطاول العمال وحقوقهم. وبالرغم من أن هذه المواجهة تقع في صلب وظيفة الاتحاد، إلا أن مصادر عمّالية معارضة لقيادة الاتحاد لم تجد في التحرك سوى جزء من الصراع السياسي في البلد، انطلاقاً من مشهد هزلي عنوانه: الاتحاد العمالي الذي تسيطر عليه حركة أمل ينفّذ إضراباً ضد الإجراءات التي يقترحها وزير حركة أمل، والتي تطاول بشكل رئيسي الضمان الاجتماعي المسيطر عليه من قبل حركة أمل!
تلك معادلة لا تعجب رئيس الاتحاد بشارة الأسمر. يقول: «إذا سكتنا نتهم بالتواطؤ، وإذا اعترضنا تثار الشكوك حول تحركنا، فهل المطلوب السكوت وإمرار هذه الإجراءات؟». يضيف «إن الاتحاد العمالي مستمر في مواجهة السلطة التي تريد تحميل الطبقة العاملة والضمان الاجتماعي مسؤولية خفض العجز».
في الاجتماع، كان السؤال بسيطاً ومكرراً: لماذا لا تتحمل المصارف وأصحاب الرساميل الكبرى المسؤولية؟ وكان لافتاً أن يسمع الوفد تاكيداً من خليل بأن المصارف ستشارك في كلفة خفض العجز.
قلق الاتحاد العمالي متعلّق تحديداً بمصير الضمان الاجتماعي. بالنسبة إليه ما تتضمنه الموازنة من إجراءات يمكن أن يضرب الضمان، وبالتالي إحداث كارثة تطاول الموظفين والمتقاعدين وحقوقهم. وإذا كانت حالة الهلع ساهمت في ازدياد طلبات سحب التعويضات، فإن استمرار هذه الحالة يمكن أن يؤدي إلى إفلاس مؤسسات وإنهاك ميزانية الضمان.
بالمحصلة، أعلن خليل أنه لا يتمسك بأي بند، متعهداً بتقسيط مستحقات الضمان، لكنه أقرن ذلك بعبارة «فور توفر الاعتمادات». وهو التعهد نفسه الذي قطعه بالنسبة الى مستحقات المستشفيات الحكومية (أعلنت الإضراب اليوم وغداً) والمقدرة بـ 400 مليار ليرة، ومستحقات البلديات المقدرة بـ 700 مليار ليرة. كذلك تعهد خليل بإلغاء البند المتعلق بإعفاء الدولة من فوائد ديونها إلى الضمان.
لا يبدو الاتحاد العمالي مطمئناً إلى أن هذه الوعود ستتحول إلى حقيقة، وهو لذلك يكرر دعوته الحكومة إلى الحوار مع جهات الإنتاج والاتحاد العمالي العام والهيئات الاقتصادية والمصارف. وقد كرر الأسمر هذا المطلب بعد الاجتماع، فقال: نحن مع الحكومة، ولكن فلتحاورنا. أضاف: من المفترض أن يكون هناك حوار وليس فرض. وتجدر الإشارة إلى أن الاتحاد سبق أن راسل الحكومة، طالباً أن توزع الموازنة على الهيئات المعنية لإبداء الملاحظات بشأنها، قبل إصدارها، إلا أن ذلك لم يحدث.
يستمر الاتحاد في الإضراب، في محاولة منه للضغط على الحكومة لتحيد عن إجراءاتها. لكن هذا الضغط لا يراه كثر سوى حلقة في الصراع السياسي القائم، وفي أكثر من ملف، ليست انتخابات مجلس إدارة الضمان سوى جزء منها. أما بالنسبة الى الأسمر، فالإضراب جزء من صرخة في وجه إجراءات تمسّ مكاسب أساسية تم جنيها في القطاع العام عبر سنوات. وقال: «لسنا هواة قطع شوارع أو إضرابات فنحن من يتضرر من الإضرابات، عمالنا الذين يتضررون من الإضرابات. لكن كما يُطلب منا أن نساهم فليساهم غيرنا أيضاً».
وإضافة إلى الاتحاد العمالي العام، أعلنت الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية الإضراب الشامل اليوم وغداً، دفاعاً عن الجامعة اللبنانية وأهلها. ورأت الهيئة أن الإضراب المفتوح سيكون معلناً تلقائياً إذا ما صدرت الموازنة وفيها مسّ بتقديمات صندوق تعاضد أساتذة الجامعة ورواتبهم ونظامهم التقاعدي، «ولا سيما أنهم الفئة الوحيدة التي لم تشملها السلسلة الأخيرة ولا أي إضافات من درجات استثنائية أو غلاء معيشة». ودعت الهيئة أساتذة الجامعة إلى عقد اجتماع، عند الواحدة من بعد ظهر الاثنين، في مجمع الجامعة في الحدث، على أن تتوقف الدروس، الحادية عشرة والنصف، لتأكيد التضامن مع الجامعة والتداول في الأخطار التي تتهددها وتتهدد أهلها من أساتذة وموظفين وطلاب.
واستغربت الهيئة التنفيذية، في بيان أصدرته عقب اجتماعها الدوري، أساليب السلطة في معالجة الأزمة الاقتصادية، عبر الاقتطاع من الرواتب والتقديمات الاجتماعية والمعاشات التقاعدية، وإلغاء الحقوق المكتسبة وفرض ضرائب جديدة، وزيادة الأسعار على السلع الأساسية. وأكدت الهيئة إصرارها على حق الأساتذة بالحصول على الثلاث درجات والخمس سنوات. ورفضت «خفض موازنة الجامعة، التي هي أصلاً ضئيلة، لأنه لا تطور اقتصادي ولا حل لمختلف الأزمات بدون دعم التعليم العالي والبحث العلمي».
كذلك أعلن مجلس نقابة موظفي مصرف لبنان الإضراب التحذيري اليوم وغداً، احتجاجاً على ما تتضمنه نقاشات الموازنة من «مسّ بالرواتب والتقديمات التي ضمنها القانون لموظفي مصرف لبنان منذ تأسيسه».