مع تكرار وزير الخارجية جبران باسيل، وتحديداً من موسكو، دعوته إلى استعادة مقعد سوريا في الجامعة العربية، تتحدث مصادر سياسية مطلعة عن العلاقة العضوية بين المبادرة الروسية في شأن النازحين وعودة سوريا إلى الجامعة العربية.وتقول هذه الأوساط إن المبادرة الروسية لعودة النازحين متوقفة حالياً، ولن يكتب لها النجاح، شارحة أن روسيا قدمت مبادرتها التي تلقفها لبنان بطبيعة الحال، لأنها شكلت له مخرجاً لهذه الأزمة بعدما سدّت أمامه أبواب الحلول الدولية التي كانت ترفض عودة النازحين إلى سوريا إلا تحت مظلة أمنية آمنة. فهي دفعت في اتجاه احتضان عربي ودولي لمبادرتها، تزامناً مع بدء ما يشبه الحملة السياسية الإقليمية لتحريك ملف علاقة سوريا بالدول العربية. في وقت قصير، بدا أن ثمة خطوات مكثفة أشاعت جواً عن قرب استعادة سوريا لمقعدها في الجامعة العربية، ونشطت ديبلوماسية عربية إماراتية ومصرية، وكادت تكون سعودية، في اتجاه بدء استعادة الحضور العربي في سوريا وإعادة فتح سفارات فيها، تمهيداً للذهاب إلى مؤتمر القمة العربية في تونس، وفتح الباب أمام عودة دمشق إلى الجامعة. واستعادة سوريا موقعها العربي وعودة الدول العربية إليها، تعنيان في ما تعنيانه استثماراً مالياً في كثير من المجالات، وتشجيعاً للنازحين، وحلاً لمشكلة لبنان بحيث تُدفع الأموال للسوريين العائدين في سوريا، لا حيث يقيمون كنازحين. كانت روسيا تعوّل على هذه النقطة، لأن الدول المانحة التي رصدت تمويلاً كبيراً للنازحين لم تكن في وارد تحويل المبالغ لتأمين عودتهم وتحريك عجلة الاقتصاد السوري، فيما النظام السوري بعيد عن المحيط العربي والدولي. لكن موسكو بدفعها في اتجاه استعادة دور سوريا عربياً، كانت تعيد ربط المال الدولي بهذا الدور.
لكن الولايات المتحدة لم تعطِ الضوء الأخضر لهذا المسار، فيما هي تسعى إلى تطويق سوريا، ومعها إيران، وتفرض عقوبات عليهما وعلى حزب الله. لذا، قامت بتحرك مضاد، بمنع ترجمة خريطة الطريق الروسية إلى خطوات عملية، ما أدى إلى توقف الانفتاح العربي على سوريا وفرملة الاندفاعة الإماراتية والسعودية. وتلقائياً، توقفت المساعي لعودة سوريا إلى الجامعة، وخرج مؤتمر تونس من دون هذه الخطوة. تبعاً لذلك، تصبح المبادرة الروسية من دون ترجمة عملية. فسوريا، كما قررت واشنطن، لن تعود إلى الجامعة في ظل حكم الرئيس بشار الأسد، والدول العربية يجب ألّا تدفع أموالاً لإعمار سوريا، وأموال النازحين تُدفع حيث يقيمون، لا في سوريا.
ما تعرقل في تونس عربياً، وقف لبنان وحده ضده، وعلى لسان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي كان على الضفة الأخرى. فعون الآتي إلى تونس من روسيا بعد لقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كان قد تلمّس إشارات روسية واضحة حول المبادرة المتعثرة. لكن لبنان بقي على موقفه من عودة سوريا، خصوصاً ألّا أفق أمامه في ملف النازحين سوى التمسك بالمبادرة الروسية، علّها تنتج في مكان ما حلاً لمشكلة تتفاقم درامتيكياً، وهي مرشحة لأن تتفاقم أكثر مع تدهور الوضع الاقتصادي في سوريا. فعون سمع كلاماً واضحاً عن ضرورة التمسك بهذه المعادلة، لأن فيها خلاصاً للبنان من أزمة النازحين، ولا سيما أن وضع سوريا اليوم عالق بين مسارَي الأستانا وجنيف. وهذا يعني مزيداً من المراوحة في حلّ جميع الملفات المرتبطة بسوريا. لهذا، لم يأتِ كلام باسيل من دون أسس عملية واضحة، ولو أنه قد يثير مجدداً بعض ردود الفعل المحلية المضبوطة السقف. فسوريا في وضعها الراهن لا قدرة لها ــ وقد سمع مسؤولون لبنانيون كلاماً واضحاً في هذا الشأن ــ على استقبال النازحين لأسباب اقتصادية ومعيشية وحياتية، وستضاعف عودةُ مليون سوري إليها، من دون أموال، من تدهور اقتصادها. ولبنان لا يمكن في المقابل أن يقف مكتوف اليدين تجاه هذه الأزمة، إذا استمر وضع سوريا معلقاً من دون أفق دولي للحل. وفيما سقطت كل المبادارت المقترحة، سواء من الجانب السوري أو من جانب قوى لبنانية، وفيما تدفع واشنطن ودول أوروبا فعلياً إلى إبقاء النازحين في لبنان، مهما كلف الأمر، لا يبقى أمام لبنان سوى المبادرة الروسية، مع علمه أنها ولدت ميتة رغم النيات الروسية الحسنة، ما دامت مرتبطة بمسار دول متناحرة وأموال لا تصرف إلا بأمر من واشنطن. ويعلم لبنان في الوقت نفسه أن عودة سوريا إلى الجامعة ليست رهناً بموقفه ولا بمطالبته، لكن تشبثه بها نابع من خوفه من أن يعيد توقفها، لأسباب تتعلق بالتجاذب الروسي الأميركي، والروسي الإيراني أيضاً، لبنان إلى النقطة الصفر مجدداً، ويضاعف من مخاطر أزمة اقتصادية لا قدرة له على تحمّلها.