حفلةُ جنونٍ يعيشها القضاء. هل اتُّخِذ قرار سياسي بلفلفة ما يُسمى «حملة مكافحة الفساد» في «العدلية»؟ حربٌ وحربٌ مضادة يخوضها قضاة وساسة وأمنيون. ماذا عن القضاة الذين كُفَّت أيديهم؟ هل يكونون كبش فداء أم يُستكمل الملف حتى النهاية؟ ماذا عن هيئة التفتيش القضائي والتحقيقات التي تُجريها؟ من يشُنّ حملة مضادة لوأد ورشة يقول القائمون بها إنها لتنظيف القضاء؟ وما هي أدواتها؟الأسئلة تكثر، وعزّزتها مداولات المجلس الاعلى للدفاع أمس. ففي الاجتماع الذي عُقِد في قصر بعبدا، ظهر انقسام واضح بين فريقين: الاول يضم رئيس الجمهورية وفريق تكتل لبنان القوي، مسنوداً بالجيش والمديرية العامة لأمن الدولة؛ فيما يضم الثاني الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل والمديرية العامة لقوى الامن الداخلي والمدعي العام التمييزي. وبدا وزير المال علي حسن خليل والمدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم واقفَين «على الحياد».
كاد المجتمعون ألا يذكروا «حملة مكافحة الفساد» بالاسم. إلا أن مداولاتهم بشأنها أخذت الحيز الأكبر من النقاش. والانقسام الاكثر حدة ظهر حول دور فرع المعلومات في التحقيقات القضائية، لكن من دون إطلاق النار مباشرة عليه. وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي قاد الهجوم على الفرع، على طريقة لاعب البلياردو. أطلق سهامه في اتجاهات مختلفة، لكن ليصيب الفرع وحده، من زاوية «وجوب أن تعمل الأجهزة الامنية بإمرة القضاء لا العكس». ذكّر بمهلة التوقيف الاحتياطي للموقوفين، والتي لا يجوز أن تتجاوز أربعة أيام، قبل أن ينطق بالجملة الفصل: «ثمة جهاز أمني، اختصاصه يسمح له بالإمساك بملفات مكافحة الفساد، كما أن لديه خبرة وإنجازات حققها بشفافية، هو المديرية العامة لأمن الدولة التي يجب أن تتولى التحقيقات بالفساد». ردّ عليه رئيس الحكومة سعد الحريري، بهدوء، غامزاً من قناة الجيش: ماذا عن وثائق الاتصال التي تسمح بتوقيف أشخاص بلا قرار قضائي؟ وماذا عن الموقوفين الذين يُحاكمون أمام المحكمة العسكرية منذ سبع سنوات فيما الجرم الذي يُتهمون به لا يوجب التوقيف لأكثر من ثلاثة أشهر؟.... أكثر الحريري من الأسئلة، قبل أن يتوجه إلى قائد الجيش، بهدوء أيضاً: عندما تنفذون مداهمات، هل تحصلون على إشارة القضاء؟ ردّ العماد جوزف عون بالقول إن بعض المهمات سرية وننفذها من دون إعلام أحد، ثم نبلغ القضاء بالنتيجة. هنا تدخل وزير الدفاع الياس بو صعب طالباً التفريق بين الجرائم العادية، وتلك المتعلقة بالإرهاب والتجسّس، والتي تحتاج أحياناً إلى وقت طويل من التحقيقات. أما المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود، فوقف إلى جانب فرع المعلومات والمديرية العامة لقوى الامن الداخلي. قال إنها الجهاز «الأكثر التزاماً بمهلة التوقيف الاحتياطي، رغم أنها مهلة حث». وقال إن الفرع يحيل عليه نتائج التحقيقات في الفساد القضائي، المستندة إلى تسجيلات وأدلة واعترافات كررها الموقوفون أمام قضاة التحقيق. ولفت إلى أنه يحيل الملفات التي تُجرى بإشارة منه على التفتيش القضائي، وعلى محام عام تمييزي يعاونه، للتحقق من خلوّها من جرائم جنائية.
لم يقل أحد في الاجتماع صراحة إنه يريد أن يمنع فرع المعلومات من التحقيق في ملف الفساد القضائي، لكن الفريق الاول دار حول هذه الفكرة. أما الفريق الثاني، فدار حول فكرة أن المعلومات هو الجهاز الوحيد الموثوق من قبله.
في النهاية، تقرر أن تتألف لجنة وزارية، برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري، وعضوية وزيري الدفاع والداخلية، وعضوية قادة الأجهزة الأمنية، بهدف التنسيق بين الأجهزة، ورسم حدود واضحة لصلاحيات كل منها. قيل كلام كثير، لكن الهدف واحد: وجهة ما يُسمى ملف مكافحة الفساد، والجهة التي تتولى التحقيق فيه، ومستقبله. فهل يمكن القول إن «حملة مكافحة الفساد» باتت على أبواب نهايتها؟