القصة نفسها تتكرّر بوقاحة، عند كلّ استحقاق انتخابي. فجأة، تتحول طرابلس إلى منطقة مركزية بالنسبة إلى القوى السياسية، التي تُكرّر وعوداً بائدة عن مشاريع وإنماء ووظائف وكلام فارغ. يبقى ذلك مقبولاً «ومفهوماً»، إلى أن ينطلق السياسيون بالشكوى من الحرمان الذي تعيش فيه المدينة، كما لو أنّهم ليسوا هم المسؤولين عن تركها منطقة فقيرة تغيب عنها الخدمات، بطريقة ممنهجة ومقصودة، لترك الطرابلسيين رهائن لديهم. وحين تنتهي الانتخابات، يتكرّر سيناريو الاثنين 7 أيار 2018، حين أُقفلت المكاتب الانتخابية، وبدأ «التدفيش» بالناخبين. الخبرة مع هؤلاء السياسيين تؤكد أنّ الوضع يوم 15 نيسان، لن يشذ عما سبقه. ولكن، حتى انقضاء الساعات القليلة المتبقية، على الطرابلسيين تحمّل المزيد من السماجة السياسية. ويمكنهم قبول «نصيحة» النائب السابق مصباح الأحدب، بأنّ الانتخابات «أفضل مناسبة لوضع حدّ لهذه الطغمة. يطلقون نفس الوعود الفارغة العديمة القيمة والمضمون، فالمشاريع التي وعدوا طرابلس بها منذ عام 2004 لم تتحقق حتى اليوم، وكل أهلنا يرون مشاريع نبيل الجسر ومجلس الإنماء والإعمار الذي لم يقدّم لطرابلس إلا الويلات». يتحدّث الأحدب كما لو أنه ليس جزءاً من «الطغمة»!
تفيد كلّ المؤشرات، حتى الآن، بأن نسبة الاقتراع لن تكون مرتفعة

لم يبقَ فريق معني بانتخابات طرابلس الفرعية، إلا عبّر عن «ثقته بخيارات أهل طرابلس». حتى الموقوف في إيران نزار زكا، أصدر بياناً يتوجّه به إلى الناخبين، مستعطفاً إياهم بهدف انتخابه. الاستنفار لدى آل الحريري في أعلى مستوياته. ديما جمالي لا تزال صامتة، مُسلّمة أمرها إلى الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري، قبل أن ينضم إليه مدير مكتبها الجديد محمد ورديني المُكلّف بمهمة التدقيق بكلّ كلمة لجمالي قبل أن تتفوّه بها. وهو بالمناسبة، ليس من طرابلس. المرشحون السبعة الآخرون (مصباح الأحدب، يحيى مولود، عمر السيد، طلال كبارة، محمود الصمدي، حامد عمشه ونزار زكا)، لا يبرز منهم سوى الأحدب ومولود والسيد. الأخير، اتهم أمس أنصار تيار المستقبل بالاعتداء على مكتبه الانتخابي في باب التبانة، وضرب شخص كان في داخله. حصل ذلك، في وقت كان فيه رئيس الحكومة سعد الحريري يجول في طرابلس، علّه يتمكن من رفع نسبة التصويت لمصلحة جمالي، بعدما لمس «المستقبل» لامبالاة الناس.
وصل الحريري إلى الشمال على متن طوافة عسكرية. هو الذي قال للشعب إنّه «واحدٌ منهم»، يرافقه الوزير السابق غطاس خوري. وقد زار رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، النائب محمد كبارة، النائب السابق مصطفى علوش، والوزراء السابقين: أشرف ريفي، محمد الصفدي وأحمد كرامي، ورئيسَي بلديتَي المينا وطرابلس. وعقد لقاءً في فندق الكواليتي ان، وانتقل إلى القلمون. لم يأت الحريري بأي جديد. تحدّث عن «وحدة الصف»، محاولاً إخراجها من إطارها كمصلحة سياسية بحت، ليعطيها طابعاً «إنسانياً» بأنّه «لمصلحة البلد وفرصة لخلق فرص عمل للشباب». قال إنّ مؤتمر «سيدر» لحظ مشاريع لطرابلس، مُعيداً تجديد نغمة «العمل على العفو العام لأنّ كل القوى السياسية مقتنعة بوجود ظلم في الموضوع».
قبل وصول الحريري إلى طرابلس، سبقه إليها يومَي الأربعاء والخميس كلّ من النائبة بهية الحريري ورئيس مجلس الوزراء الأسبق فؤاد السنيورة، فضلاً عن وجود أحمد الحريري بشكل دائم في عاصمة الشمال. القاسم المشترك بين جميع هذه التحركات الانتخابية، بحسب سياسيين طرابلسيين، «غياب حماسة الناخبين». المفاجآت الانتخابية تبقى قائمة حتى اللحظة الأخيرة، وخاصة في طرابلس، «ولكن كلّ المؤشرات تُفيد بأنّ نسبة الاقتراع لن تكون مرتفعة».