أما الجزء الآخر من الحكاية، فيرتبط بغياب معايير السلامة على الطرقات. ثمة طرفة يتداولها ناس تلك المنطقة عن طريق يسمونه طريق الموت بسبب كثرة الحوادث القاتلة عليه. عند ذاك الطريق، مات 4 شبان في شهر واحد بسبب «عمود كهرباء» منصوب «على الزفت». بعدما علت الصرخة، جاءت فرق الصيانة، و«زاحت العمود شوي»! هكذا، «تُحَلّ» أمور السلامة المرورية!
العام الماضي وحده، سجّل عدّاد الموت 138 ضحية معظمهم من الشبا
بحسب «عقد عمل الأمم المتحدة لتحسين السلامة على الطرق»، فإن الركائز الأساسية تتمثّل في «إدارة السلامة المرورية والجهات المعنية بوضع الخطط وتحسين وضع الطرقات لتصبح أكثر أماناً لناحية الصيانة والإنارة والعاكسات الضوئية والخطوط المرسومة، أي أن تكون الطرق متسامحة، بحيث لا تسمح بموت السائق أو من في السيارة، بل تحدّ من الأذى الناجم عن الحوادث في حال أخطأ السائق، مثل إبعاد الأشجار وأعمدة الإنارة أو اللوحات الإعلانية عن جانبي الطريق، واعتماد مركبات أكثر أماناً، وسلوك أكثر أماناً مرتبط بالتوعية وبتعليم القيادة وتطبيق القانون، إضافة إلى منظومة الإسعاف والإنقاذ والمستشفيات». هذا ما يقوله العقد، أما ما يقوله الواقع، فهو أن هذه الركائز لا وجود لها. هي غائبة تماماً، مع تفاوت بين محافظة وأخرى. على أن محافظتي البقاع وبعلبك ــــ الهرمل هما الأسوأ، حيث تتراجع منظومة الإسعاف ويغيب الأمان عن الطرق. التفاوت في أعداد القتلى مقارنة بعدد الحوادث بين محافظة وأخرى يؤكد ذلك. في محافظة بيروت، مثلاً، سقط 27 قتيلاً في 703 حوادث (2017)، فيما حصد الموت في البقاع 127 قتيلاً في 563 حادثاً. علاوة على ذلك، فإن عدد «النقاط السوداء»، أي تلك التي تشهد عدداً مرتفعاً من الصدامات القاتلة، يصل عددها في محافظة بعلبك ــــ الهرمل إلى 17 نقطة، يحفظها المواطنون عن ظهر قلب، فيما تتغاضى الدولة عن وجودها بسبب… الموازنة. وثمة أمثلة كثيرة عن «نقاطٍ سوداء» يعجّ بها البقاع، ليس آخرها طريق رياق ــــ بعلبك الدولي «المعتّم» في معظمه (ما عدا نقاط الحواجز الأمنيّة وبعض المسافات التابعة لبلديّات فاعلة). على تلك الطريق، لا وجود لشيء اسمه لافتة تحذيرية أو إشارة مرور.
طريق عمّيق في البقاع الغربي مثال آخر، بعدما أفقده «التوسيع» شروط السلامة، حيث أزيلت اللوحات واللافتات المرورية. وكذلك طريق بر الياس ــــ دير زنون ــــ رياق، وهو طريق آخر غير متسامح مع أهل البقاع، حيث تغيب اللافتات ويغيب قانون السير.
المشكلة الأكبر تكمن في غياب الرقابة لدى تنفيذ الطرق من قبل وزارة الأشغال، وفي تقاعس البلديات المعنيّة عن إجراء إصلاحات بهدف تحسين شروط السلامة المرورية في نطاقها البلدي (مثل وضع المرايا، إبعاد الشجر والأعمدة ووضع مطبات بهدف تخفيف السرعة حيث يجب وإعادة تهيئة السير على مداخل القرى). هذه البلديّات نفسها التي تتفرّج على القتل على الطرقات العامة تنسى واجباتها على الطرقات الداخليّة التابعة لنطاقها، رغم أنها تحوز نسبة 20% من عائدات الغرامات التي يفرضها قانون السير!
قضاء الهرمل أولاً
بحسب دراسة أعدّها مدير الأكاديمية اللبنانية الدولية للسلامة المروريّة كامل ابراهيم، لواقع حوادث المرور في البقاع لعام 2015، يتبيّن أن البقاع يشكّل النسبة الأعلى من الحوادث المميتة في لبنان (0.17 قتيل لكل حادث). ويأتي قضاء الهرمل في المرتبة الأولى في المحافظة، مع 0.56 قتيل لكل حادث. 66% من قتلى البقاع يسقطون في قضاءي زحلة وبعلبك، ومعظمهم يموتون على الطرق الدوليّة: ضهر البيدر ــــ المصنع، شتورة ــــ بعلبك ــــ حمص). 37% من الضحايا شبان تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة، و16% منهم أطفال تحت سن الـ 14.