لم تهدأ قصور العدل بعد. تضجُّ بالشائعات. خبرٌ صحيح يُرفق بأخبارٍ مغلوطة على وقع فضيحة الفساد القضائي. «السوشال ميديا» هي السلاح الأمضى الذي تضيع فيه الحقيقة. تتعزّز الشائعات بمعلومات تتداولها مواقع إلكترونية، بعضها يؤكد والآخر ينفي. يزداد الضياع وسط سؤال واحد: هل ستصل «ورشة التنظيف» إلى خواتيمها؟ لماذا كل هذه الجلبة التي تُثار؟ يسأل قاضٍ رفيع مستوى ليُجيب نفسَه: «نحن أكثر المتضررين»، مضيفاً: «لماذا تُصوّر الأمور كما لو أننا ننتظر جهازاً أمنياً لنحاسب المتورط من القضاة؟»، ويُردف قائلاً: «نحن نقوم بالتنقية الذاتية للجسم القضائي، لكن بصمت». يتحدث القاضي المذكور عن إحالة سبعة قضاة على المجلس التأديبي العام الماضي، طُرِد منهم قاضيان. ويُضيف أنّ هناك خمسة قضاة أُجبروا على تقديم استقالاتهم بعد افتضاح أمر تورطهم في ملفات معينة. تسأل القاضي نفسه: لماذا لا يُعلن ذلك؟ لماذا تتأخّر التحقيقات في فضيحة كهذه؟ يجيب بأنّ هذا الملف لن يمرّ مرور الكرام. وهناك قضاة سيُحاسَبون.
لقد أنهى فرع المعلومات تحقيقاته في ملف «السماسرة القضائيين» الذي أُحيل على القضاء. النيابة العامة التمييزية وهيئة التفتيش القضائي تتابعان التحقيقات مع المشتبه فيهم من القضاة، فيما سجّلت النائب العام في جبل لبنان القاضية غادة عون سابقة بطلب شطب اثنين من المحامين العامين عن جدول المناوبة، ليتردد أنّها أخذت بمعطيات لديها عن شبهات فساد بحقّهما على خلفية التحقيقات الجارية لدى فرع المعلومات! لم تصدر الجداول بعد، لكنّ أحد القضاة أبلغته القاضية نفسها بأن اسمه لن يكون وارداً على جدول المناوبة، بمعنى أن عون منعته من «إعطاء إشارات» بالتحقيق أو التوقيف للضابطة العدلية. في قصر عدل بعبدا، يعرف القضاة والمساعدون بوجود خلاف شخصي بين القاضية عون وأحد المحاميَين العامَّين المطلوب إبعادهما عن المناوبة، وهذا ما عدّه بعض القضاة سبباً كافياً لاعتبار قرار القاضية «إجراءً انتقامياً».
لماذا أقدمت القاضية عون على هذه الخطوة؟ هل أنهت هيئة التفتيش القضائي تحقيقاتها؟ أين ذهبت بقرينة البراءة بأنّ المتّهم بريء حتى تثبت إدانته؟ هل تجاوزت صلاحيتها بذلك؟ ولنفترض حُسن النيّة، ألا يعني إبعاد هذين القاضيين عن جدول المناوبة وضعهما في دائرة الشُّبهة أمام زملائهما؟ وإذا كان ثمة شبهات فساد تدور في حقهما، فكيف يحضران جلسات محاكمة ويُصدران مطالعات؟ أكثر من ذلك، لماذا لا يسري هذا المنطق على القضاة السبعة المُحالين على التفتيش بسبب فضيحة «السمسرة القضائية» التي يحقق فيها فرع المعلومات؟ وكيف يُسمح لقاضٍ ورد اسمه في محاضر التحقيقات وفي إفادات موقوفين بشبهة السمسرة أن يُعطي إشارات للمحققين في الملف نفسه؟
أما بشأن ما يتردد عن إحالة ثلاثة قضاة (غير السبعة المشار إليهم أعلاه) على هيئة التفتيش القضائي أخيراً، فقد ذكرت مصادر قضائية لـ«الأخبار» أنّ القضاة الثلاثة يجري التحقيق معهم على خلفيات فساد في ملفات قديمة. وأكّدت المصادر أنّه اتُّخذ قرار بفصل قاضٍ في السنة الثالثة في معهد الدروس القضائية، بعدما ثبت أنّه أقدم على تزوير مستندات عقار مع والده. وأشارت المصادر إلى أنّه يجري التحقيق مع قاضية على خلفية «ضرب وإيذاء» بعدما وثّقت كاميرا مراقبة عراكاً بالأيدي حصل بينها وبين جارة لها. أما الثالث، فقاضٍ متقاعد متهم بتزوير أحكام. كذلك أحيل قاضٍ على المجلس التأديبي منذ نحو شهرين، على خلفية اتهامه بسرقة أموال بعد تخفيض محاضر ضبط السير.