وجّه «التجمّع الأكاديمي للأساتذة الجامعيين في لبنان»، كتاباً مفتوحاً إلى مايك بومبيو، وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية، في مناسبة زيارته لبنان، هذا نصّه:
بعد التحيّة والاحترام،
يخصّ التجمّع الأكاديمي للخبراء والأساتذة الجامعيين في لبنان السيّد مايك بومبيو وزير خارجية الولايات المتّحدة الأميركية بهذه الرسالة/ المذكّرة، وفقاً لنهجهم العلمي المعروف في الدفاع عن المصالح العليا للشعب اللبناني والدولة اللبنانية، وكذلك عن حقوق الإنسان في لبنان وفي العالم العربي.
إنّنا إذ نرحب بكم في لبنان، لا نتطلّع إلى توصيف السياسات الأميركية وتحليل انحيازها الواضح للسياسة الإسرائيلية على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، ومدى تأثير هذه السياسة الخطيرة على مستقبل شعوبنا، سواء في المشرق العربي أو في الجزيرة العربية، وحتّى في شمال أفريقيا. حسبنا التركيز بوعيٍ علمي مسنود إلى الوثائق والدراسات، على أمرين أساسيين يشكّلان، كما يظهر، محور زيارتكم للبنان وحواراتكم مع المسؤولين اللبنانيين:
أولاً: الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل:
لقد مرت الحدود بين لبنان وفلسطين بالمراحل الآتية:
التعريف وقد حصل من خلال القرار 318 الذي أصدره الجنرال غورو في 31 آب عام 1920.
التحديد وقد حصل في 23 كانون الأول 1920 من خلال الاتفاق بين بريطانيا المنتدبة على فلسطين وفرنسا المنتدبة على سوريا ولبنان.
الترسيم وقد حصل في 7 آب 1923 من خلال إبرام اتفاقية بوله (Paulet ) نيوكومب (New Comb). (عدد النقاط 38 نقطة). وثمة حدود لبنانية فلسطينية أخرى بعد هذه النقطة، لكنها لا تصل إلى النقطة 39).
التثبيت وقد حصل في 4 شباط 1924 بعدما أودع محضر هذا الترسيم لدى عصبة الأمم في جنيف وتمّ إقراره. وهكذا أصبحت الحدود دولية.
في 29 أيلول 1947 أخذت الأمم المتحدة القرار 181 القاضي بقيام دولتين: إسرائيل وفلسطين العربية.
وبعد نشوب الحرب العربية ــــ الإسرائيلية عام 1948 تم التوقيع في 23 آذار 1949 على اتفاقية الهدنة بين لبنان وإسرائيل، وقد نصت المادة الخامسة على ما يأتي:
«أ ــــ يجب أن يتبع خط الهدنة الدائمة الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين...».
في أيار 1949، تمت الموافقة على انضمام إسرائيل إلى الأمم المتحدة وربطت عضويتها بتعهدها باحترام اتفاقيات الحدود والعودة أو التعويض عن اللاجئين الفلسطينيين.
وبين 5 و15 كانون الأول 1949 قامت لجنة الهدنة اللبنانية الإسرائيلية، بإشراف الأمم المتحدة، بعملية مسح جديدة للحدود وتم وضع 12 مادة، حيث تم تثبيت النقاط الحدودية (من BP1 إلى 8BP3)، كما وضعت نقاط وسطيّة عددها 104 نقاط مع خرائط مرفقة توضح إحداثيات تلك النقاط.
وفي محضر اجتماع لجنة الهدنة اللبنانية الإسرائيلية بإشراف الأمم المتحدة، تم الاتفاق على تجديد وضع الشارات الـ 38 الأساسية، إضافة إلى النقاط الثانوية، وكان ذلك في 18/1/1961.
من الواضح إذاً أن الحدود بين لبنان وإسرائيل مرسّمة وموافق عليها من قبل الطرفين وبإشراف الأمم المتحدة، ولا يمكن للبنان أن يدخل في أي تفاوض لإعادة النظر بهذا الترسيم.
في ضوء ذلك، نلفت نظر الوزير مايك بومبيو إلى أن إسرائيل بعد حرب 1967 بدأت باحتلال قرية النخيلة اللبنانية وبعض مزارع شبعا. ثم احتلّت في عامي 1978 و1982 مناطق لبنانية واسعة. وعند انسحابها حتى الخط الأزرق عام 2000، نجد أن هناك مناطق لا تزال تحتلها إسرائيل في 13 نقطة، ومجموع مساحة تلك الأراضي التي لا تزال محتلة من إسرائيل هي 485487 م2.
إضافة إلى هذه النقاط الـ 13، هناك مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية النخيلة وقرية الغجر بموازاة الحدود اللبنانية السورية المحتلة لم تنسحب منها إسرائيل، وقد استحدثت في هذه المناطق محطات تزلج وسياحة ومنشآت مختلفة لها مردود مالي سنوي لا يقل عن 6 مليارات دولار سنوياً تبعاً لتقارير غير رسمية.
أليس من البديهي، حضرة الوزير، أن يستعيد لبنان حقوقه وأراضيه، وأن تكون أميركا المساعدة لتطبيق القانون؟
ثانياً: الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل
تعرفون حضرة الوزير أن الحكومة اللبنانية وافقت على الاتفاقية الدولية لقانون البحار بموجب القانون 295 تاريخ 22/2/1994، بينما إسرائيل لم توقّع، بالمقابل، على هذه الاتفاقية الدولية.
إن تطبيق هذه الاتفاقية يعطي لبنان الحقوق الآتية:
* 23500 كلم2 من المنطقة الإقليمية البحرية الخالصة.
* إن النقاش الدائر حول الحدود البحرية اللبنانية الإسرائيلية يميل لمصلحة إسرائيل، مدعوماً من قبل الإدارة الأميركية في جزء منه، إذ يهدف في النتيجة إلى اقتطاع مساحة 860 كلم2 من الحدود اللبنانية، إضافة إلى الخسائر الحالية في تلك الحدود البحرية والتي تقدر بما لا يقل عن 5500 كلم2 مقتطعة حالياً.
* إن الطريقة المعتمدة في احتساب المساحة البحرية الخالصة هي غير واضحة بتاتاً، وهي تعتمد طرقاً حسابية غير دقيقة أدّت إلى استنسابية ملتبسة في هذه الحسابات، وأوصلت إلى خسارة لبنان المساحة المشار إليها أعلاه.
حضرة الوزير السيّد مايك بومبيو: إن استمرار الموقف الأميركي بالضغط على لبنان للتخلي عن حقوقه، التي يعرفها جيداً الخبراء الأميركيون، سيقاومه الشعب اللبناني بكل فئاته وتياراته لأنه يمسّ حقوقه ومصالحه العليا ومستقبل أجياله.
إننا نطالب أميركا بالمقابل بالضغط على إسرائيل لإيقاف ضخ الغاز والنفط في محاذاة حدودنا البحرية الجنوبية، والتي تعتبر اعتداءً واضحاً على حقوق الدولة اللبنانية وخسارة مئات مليارات الدولارات نتيجة لهذه الاعتداءات.
إن الشعب اللبناني الذي تربطه بالشعب الأميركي العلاقات التاريخية على مختلف الأصعدة الاقتصادية والثقافية والتربوية وغيرها منذ القرن التاسع عشر، ينتظر من السياسة الأميركية في هذه المرحلة مساعدة الدولة اللبنانية لإعادة النازحين السوريين (وسنرسل لكم مذكّرة دراسية علميّة وافية في الموضوع) إلى بلادهم وحل القضية الفلسطينية على قاعدة القانون الدولي، والمحافظة على الحقوق اللبنانية في الحدود البرية والبحرية على السواء.
يلفت التجمّع الأكاديمي للأساتذة الجامعيين في لبنان جنابكم الى أنّ أيّ موقف لا يؤمّن هذه الأمور والحقوق البديهية لن يؤدي إلى استتباب الأمن والسلام في الشرق الأوسط وفي العالم.
وتفضلوا بقبول الاحترام
بيروت في 18/3/2019

عن «التجمّع الأكاديمي للأساتذة
الجامعيين في لبنان»
عصام خليفة
بشارة حنا
نسيم الخوري (نسر حرمون)