والسؤال في مكانه فعلاً، في دوّامة ما يسمّى الجمعيّات الأهليّة، والمنظمات غير الحكوميّة التي يزهر سوقها في لبنان. «المجلس الإنمائي العربي للمرأة والأعمال»، تأسّس في الـ2017، رئيسته ومؤسسته هي «السفيرة» إيمان غصين (بالمناسبة، سفيرة ماذا؟)، وبحسب ما ورد على موقع «روّاد الأعمال» فإنّه «يُحاكي الصندوق الأميركي لتنمية المرأة». المجلس الذي من المُفترض أن «يُعزّز دور المرأة»، قالت غصين في التعريف عنه إنّه «سيُساهم في دعم وتشجيع الاستثمار في كلّ المجالات سواء المالية والتجارية والصناعية والإعلامية والسياحية... كما يهدف إلى تأسيس وإدارة الصناديق الاستثمارية والمحافظ المالية وأصول الغير...».
بعد البلبلة التي نتجت عن تكريم الناشطة التطبيعية المغربية، أصدر «المجلس» بياناً دفعيّاً هزيلاً، يلقي اللائمة على المغرب، ويختبئ خلف موافقة «السلطات الأمنيّة» في لبنان. هكذا اكتشفنا أنّ اختيار المُكرمات يأتي «بعد تصويت أهل كل بلد لمرشحة وطنهم». من دون أن نعرف من اقترع من «أهل البلد»، وما هي آليات الاقتراع! وكيف تسمح لنفسها الجمعيّة بتكريم شخصيات لم تخترها هي، ولا تعرف عنها شيئاً؟ ويتابع البيان الذي يعطي فكرة عن هشاشة هذا النوع من «الجمعيّات» وخطورتها: لدى اكتمال أسماء المرشحات العربيات واللبنانيات، تم رفع لائحة الأسماء إلى الجهات الأمنية والسلطات المعنية جميعها، ولم تلقَ أي اعتراض على أي اسم بالدخول إلى لبنان. وهذا من اختصاص الأمن في لبنان وليس من اختصاص المجلس الانمائي العربي». ولا شك في أن تحميل المؤسسة الأمنية المسؤوليّة هو من السماجة بمكان. إذ على الجمعيّة أن تعرف من تكرّم. فإن كانت تعلم من هي بشرائيل الشاوي فتلك مصيبة، وإن كانت تجهل فالمصيبة أعظم!
بعد تبريرات وذرائع غير مقنعة، رضخت غصين أخيراً لطلب «المرصد المغربي لمناهضة التطبيع»
وتأتي تتمّة البيان لتزيد من علامات الاستفهام حول هذه الجمعيّة التي تكرّم سيّدة لم تخترها: «نحن حريصون أشدّ الحرص على ألا يكون للمجلس أي تعاطٍ مع أي أجندة سياسية، لأن عملنا إنمائي، ثقافي، اجتماعي، واقتصادي بحت». إنّها الذريعة التطبيعيّة بامتياز. كل المطبعين يرتكبون خيانة وطنيّة من دون أن تكون لهم «علاقة بالسياسة»! ألم يبرّر السينمائي اللبناني زياد دويري تصوير فيلم كامل في إسرائيل، بأنّه «فنان لا علاقة له بالسياسة»؟ والجمعيّة الحديثة العهد التي يجب أن ننظر عن كثب إلى آليات تمويلها، تكرّم بشرائيل الشاوي التي تدعو إلى السلام مع «إسرائيل»، ثم تؤكّد بسذاجة ألا علاقة لها بالسياسة! لكن الضغوط العربية والمحليّة على «المجلس الإنمائي العربي للمرأة والأعمال في لبنان والعالم العربي»، جعله يغيّر استراتيجيّته في وقت متأخّر من يوم أمس. في بيان ثان على موقعه، أعلن أخيراً سحب وسام التكريم من الشاوي، وأكّد «نحن من أشدّ الحريصين على القضايا الوطنية والعربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ومن أبرز الرافضين للتطبيع مع الكيان الصهيوني الغاشم». صحّ النوم! وشكراً لرفيقاتنا ورفاقنا في «المرصد المغربي لمناهضة التطبيع»...