بداية الشهر الحالي، عبرت الحدود اللبنانية، سيّدة مغربيّة اسمها بشرائيل الشاوي، للمشاركة في احتفال نظّمته جمعيّة اسمها «المجلس الإنمائي العربي للمرأة والأعمال»، تكريماً لـ20 امرأة عربية، في مناسبة يوم المرأة العالمي. احتفال «بصمة قائدة» هذا، الذي حضره يوم 9 آذار ممثلون عن شخصيات سياسية، بينها الوزير جبران باسيل والنائبة ستريدا جعجع، وشاركت فيه النائبة السابقة ديما جمالي، وشخصيات من لبنان والعالم العربي، كاد يمرّ من دون جلبة تُذكر. لولا البيان الذي أصدره «المرصد المغربي لمناهضة التطبيع»، في اليوم التالي، وسلّط الضوء على خرقٍ كبير، لم يتنبّه إليه أحد في لبنان. فالشاوي التي دخلت إلى لبنان، وساحت في بيروت وتصوّرت أمام صخرة الروشة، وكُرّمت على «إنجازات» غير مُحدّدة، لم نعرف شيئاً عنها، تبيّن أنّها متخصصة بالترويج للتطبيع الموصوف مع «اسرائيل». «وانجازها» هذا لا يقتصر على التنظير لـ «الحوار» (المزيف) بين القاتل وضحيّته، وعلى الدعوة «النبيلة» إلى «السلام»، بل إن الوقاحة وصلت بها إلى درجة زيارة كيان العدو، على رأس وفد «من أجل الصداقة اليهودية - المغربية» في العام 2017، والمشاركة في لقاءات مع مسؤولين اسرائيليين. وكالعادة في كثير من الحالات التطبيعية اليوم، خصوصاً حين تحدث الخيانة في بلد عربي كالمغرب يطغى عليه جوّ شعبي معاد للتطبيع مع العدّو، اختبأت الشاوي خلف خدعة الحوار المغربي - اليهودي… علماً أن المملكة تفادت تاريخيّاً أي تمييز طائفي بحق المواطنين المغاربة من الديانة اليهودية. هكذا استغلت الشاوي وزمرتها هذا الواقع، وركّزوا على حوار الثقافات والأديان، من أجل التسويق الناعم لعلاقة تطبيعية مع «اسرائيل». وكالعادة في الحالات التطبيعية في العالم العربي، تتذرّع الشاوي بالبعد «الثقافي» وبـ «التفاعل الحضاري مع الآخر» لمحاولة أنسنة العدو، واستدراج الرأي العام إلى تجاوز جرائمه، والتنازل له عن الحقوق، والقبول به صديقاً وجاراً وحتى «حليفاً». لكن ذلك لم يمنعها في حوارات عدّة مع الاعلام بالمجاهرة بزيارتها إلى «اسرائيل»، وافتخارها بعلاقاتها مع الجهات الرسميّة هناك، وتأكيدها أن «الشعب المغربي ليس مجمعاً على رفض التطبيع»!«المرصد المغربي لمناهضة التطبيع» أدان تكريم الشاوي، ورأى فيه «مبادرة مشبوهة». فكيف تكرّم «واحدة من عتاة خُدّام التطبيع الصهيوني في عاصمة المقاومة، وقد سبق أن عقدت لقاءات في قلب الكنيست الصهيوني مع قيادات الجيش الصهيوني ومخابراته ووزراء حكومة الإرهاب الصهيوني، بل وقيادتها لوفود من عدد من عملاء التطبيع والصهينة في المغرب نحو الكيان الصهيوني»؟. وطالب المرصد في بيانه الجهات الحكومية اللبنانية بـ«العمل على تصحيح هذه السقطة الكبيرة، الغريبة عن مواقف لبنان، دولة وشعباً، بطرد كلّ داعمي وعملاء الكيان الصهيوني الإرهابي الذي ارتكب مئات المجازر بحقّ لبنان». وتساءل البيان عن هويّة الجهة التي قامت «باقتراح إسم بشرائيل الشاوي للتكريم في قلب بيروت، وبحضور مسؤولين حكوميين».
والسؤال في مكانه فعلاً، في دوّامة ما يسمّى الجمعيّات الأهليّة، والمنظمات غير الحكوميّة التي يزهر سوقها في لبنان. «المجلس الإنمائي العربي للمرأة والأعمال»، تأسّس في الـ2017، رئيسته ومؤسسته هي «السفيرة» إيمان غصين (بالمناسبة، سفيرة ماذا؟)، وبحسب ما ورد على موقع «روّاد الأعمال» فإنّه «يُحاكي الصندوق الأميركي لتنمية المرأة». المجلس الذي من المُفترض أن «يُعزّز دور المرأة»، قالت غصين في التعريف عنه إنّه «سيُساهم في دعم وتشجيع الاستثمار في كلّ المجالات سواء المالية والتجارية والصناعية والإعلامية والسياحية... كما يهدف إلى تأسيس وإدارة الصناديق الاستثمارية والمحافظ المالية وأصول الغير...».
بعد البلبلة التي نتجت عن تكريم الناشطة التطبيعية المغربية، أصدر «المجلس» بياناً دفعيّاً هزيلاً، يلقي اللائمة على المغرب، ويختبئ خلف موافقة «السلطات الأمنيّة» في لبنان. هكذا اكتشفنا أنّ اختيار المُكرمات يأتي «بعد تصويت أهل كل بلد لمرشحة وطنهم». من دون أن نعرف من اقترع من «أهل البلد»، وما هي آليات الاقتراع! وكيف تسمح لنفسها الجمعيّة بتكريم شخصيات لم تخترها هي، ولا تعرف عنها شيئاً؟ ويتابع البيان الذي يعطي فكرة عن هشاشة هذا النوع من «الجمعيّات» وخطورتها: لدى اكتمال أسماء المرشحات العربيات واللبنانيات، تم رفع لائحة الأسماء إلى الجهات الأمنية والسلطات المعنية جميعها، ولم تلقَ أي اعتراض على أي اسم بالدخول إلى لبنان. وهذا من اختصاص الأمن في لبنان وليس من اختصاص المجلس الانمائي العربي». ولا شك في أن تحميل المؤسسة الأمنية المسؤوليّة هو من السماجة بمكان. إذ على الجمعيّة أن تعرف من تكرّم. فإن كانت تعلم من هي بشرائيل الشاوي فتلك مصيبة، وإن كانت تجهل فالمصيبة أعظم!
بعد تبريرات وذرائع غير مقنعة، رضخت غصين أخيراً لطلب «المرصد المغربي لمناهضة التطبيع»


وتأتي تتمّة البيان لتزيد من علامات الاستفهام حول هذه الجمعيّة التي تكرّم سيّدة لم تخترها: «نحن حريصون أشدّ الحرص على ألا يكون للمجلس أي تعاطٍ مع أي أجندة سياسية، لأن عملنا إنمائي، ثقافي، اجتماعي، واقتصادي بحت». إنّها الذريعة التطبيعيّة بامتياز. كل المطبعين يرتكبون خيانة وطنيّة من دون أن تكون لهم «علاقة بالسياسة»! ألم يبرّر السينمائي اللبناني زياد دويري تصوير فيلم كامل في إسرائيل، بأنّه «فنان لا علاقة له بالسياسة»؟ والجمعيّة الحديثة العهد التي يجب أن ننظر عن كثب إلى آليات تمويلها، تكرّم بشرائيل الشاوي التي تدعو إلى السلام مع «إسرائيل»، ثم تؤكّد بسذاجة ألا علاقة لها بالسياسة! لكن الضغوط العربية والمحليّة على «المجلس الإنمائي العربي للمرأة والأعمال في لبنان والعالم العربي»، جعله يغيّر استراتيجيّته في وقت متأخّر من يوم أمس. في بيان ثان على موقعه، أعلن أخيراً سحب وسام التكريم من الشاوي، وأكّد «نحن من أشدّ الحريصين على القضايا الوطنية والعربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ومن أبرز الرافضين للتطبيع مع الكيان الصهيوني الغاشم». صحّ النوم! وشكراً لرفيقاتنا ورفاقنا في «المرصد المغربي لمناهضة التطبيع»...